يصر المثقفون السعوديون على أن الأدب والكرة صنوان للمتعة والإبداع ما احتكما إلى الأهداف النبيلة وتأطرا بحدود المنافسة الشريفة وأناقة الأداء، ولطالما ظل مثقفون بارزون يتعاطون مع كرة القدم والرياضة بعمومها على أنها أمر من اللهو والتسلية تتقاطع مع الثقافة في صناعة المتعة، كما هو الأديب عابد خزندار الذي أشار مرارا فى كتاباته وأحاديثه وحوارات أجريت معه إلى عشقه كرة القدم وإجادته لمهاراتها وانخراطه كلاعب فى مبارياتها أيام الصبا وباكورة شبابه قبل أن يكرس حياته للأدب، لكن فى المقابل هناك من ينظر إلى الساحرة المستديرة نظرة ازدراء، على اعتبار أنها ألحقت أضرارا فادحة بالثقافة بالقدر الذي ألحقته بالمجتمعات التى باتت مهووسة بها، حين أصبحت كرة القدم المشروع الوحيد لمجتمع بلا مشروع. «عكاظ» استطلعت آراء عدد من المثقفين حول علاقة الثقافة بالرياضة، وما إذا كان الرياضيون خاصة لاعبي كرة القدم يشكلون تهديدا لمشروعهم التنويري، فخرجت بالحصيلة التالية : أكذوبة الكراهية ينفي الناقد المعروف الدكتور سعيد السريحي القطيعة بين المثقف والرياضي، قائلا «لا أعرف من روج لأكذوبة كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم عليها، فالتاريخ دون كثيرا من حكايات عشق كبار الكتاب والأدباء للكرة وعلاقتهم بها، ومن أشهرهم نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وأنيس منصور وعابد خزندار، وأدباء عالميون كتبوا عن الساحرة المستديرة، منهم البرتغالي خوسيه ساراماجو والشاعر الروسي يفتوشينكو». ولم ينف السريحي ذو الميول الاتحادية أن اللاعبين ينالون بأقدامهم المال والشهرة، في الوقت الذي تكاد أقلام المثقفين تئن تحت وطأة التهميش، كونهم الأبعد عن الكسب والتحصيل ومن ثم القبول من لدن المجتمع إلا من فئة قليلة، ومع ذلك يرى السريحي أن لا خوف على الأدب من الكرة فلكل فريق مشجعوه. كرة القلم الروائي والكاتب الصحفي عبده خال أشار إلى أن المثقفين كانوا ينظرون إلى الرياضة على أنها شيء من اللهو، حتى باتت العلاقة بين الأدب والرياضة مشوبة بالكثير من الفتور، بل ووصلت أحيانا حد الجفاء. ويضيف «مع أن كثيرا من المثقفين تستهويهم كرة القدم إلا أنهم كانوا يذمونها جهارا ويتعاطون الاهتمام بها سرا، أما اليوم فلم تعد الأمور كما كانت عليه بعد أن امتزجت الثقافة بالرياضة، فللمثقف دوره وللرياضي كذلك، فهذا يسجل بقلمه وذاك بقدمه». وعما إذا كان أحد من يمقتون الرياضة قال «لا أظنني كذلك، فقد مارست كرة القدم منذ نعومة أظفاري، حيث كنت وقتها معجبا بعدد من لاعبي الاتحاد منهم على سبيل المثال لا الحصر رشيد مسلط والنجدة والكبش، إلى أن سنحت لي الفرصة للعب في نادي الاتحاد ضمن فريق البراعم وكنت حينها أشغل مركز الظهير الأيمن، إلا أنه وبعد المرحلة الثانوية بدأت أشياء جديدة تشغل اهتمامي حيث الثقافة والأدب، ما جعلني أبتعد عن ممارسة الكرة التي لم تعد تشكل بالنسبة لاهتماماتي أكثر من 1 %، فلم أعد أحرص على متابعة المباريات حتى تلك التي يكون الاتحاد طرفا فيها إلا ما ندر، فمتعتي أصبحت محصورة بين قراءة كتاب ومشاهدة فيلم». وانتهى خال إلى التعبير عن إعجابه الكبير باللاعب الأرجنتيني ميسي الذي قال إنه من قاده إلى برشلونة. صياغة اللعب فيما يرى الدكتور يوسف العارف أن الرياضة أخذت الحيز الأكبر من اهتمامات المجتمع، وبات لاعبو كرة القدم حديث الناس في الوقت الذي قل فيه الاهتمام بالكتاب وسحب فيه البساط من تحت أقدام المثقفين، ومع ذلك يرى العارف أن الثقافة باقية ما بقي الدهر وإن خف بريقها. وبسؤاله عما إذا كان ذلك يشكل قلقا للمثقف، أجاب «لا شك في ذلك، إلا أن الأمر لا يدعو للقلق المبالغ فيه فلكل شيء مريدوه وإن اختلفت النسب». وعن علاقته بالرياضة أكد العارف أنه مقصر جدا تجاهها فيما يمارس شيئا منها متى ما اقتضت الحاجة، ويستمتع إلى حد كبير بمتابعة مباريات الوحدة وآرسنال، إلا أنه لم يخف انزعاجه من تدني ثقافة اللاعبين، مؤكدا أنهم في أمس الحاجة إلى إعادة صياغة في التفكير بالرياضة. وأضاف «لم يعد للإبداع الوجداني والعلمي وجود في الرياضة، بعد أن شطب اللاعبون من ذاكرتهم الثقافة الوجدانية والعلمية واقتصروا على الفكر الحركي والجسدي وهنا مكمن الإشكاليات، حيث بات المجتمع الرياضي سجين الفكر الرياضي والتعصبي، وأصبحت الرياضة جزءا من مساحة حياته وشغله الشاغل خاصة الجيل الجديد لكثرة البث الفضائي الرياضي». بدوره أشار الناقد علي الشدوي إلى أن الأدب والرياضة يتقاطعان وكل منهما يكمل الآخر، وعما إذا كانت العلاقة بين الأدب والرياضة علاقة إشكالية قال «على العكس فدائما ما يحتاج المثقف إلى تجديد الطاقات الإبداعية لديه بممارسة الرياضة، فالمبدع دوما يكره الرتابة والملل ويبحث عن كل جديد». فيما أكد أن ثقافة المجتمع تغيرت كثيرا في نظرتها للرياضة وممارسيها، فبعد أن كانت نظرته تجاه الرياضة تحفل بالكثير من الدونية بل وتضعها في خانة اللهو، أصبحت تلك النظرة مختلفة بعد أن باتت الرياضة صناعة تجلب لممارسيها الكثير من المال والشهرة. وعن علاقته بالرياضة قال «أرى في نفسي متابعا جيدا لها، خاصة رياضة كرة القدم التي أصبحت عشق الجمهور الأول، فروح التنافس التي تتسم بها المنافسات الرياضية تصنع بالنسبة لي حالة من الشغف في متابعة كل ما هو جديد، خاصة أخبار ومباريات الملكيين الأهلي السعودي وريال مدريد الإسباني. فجوة التعصب يؤكد الناقد محمد العباس أن المساحة المشتركة بين الرياضة والثقافة كانت ضيقة في زمن مضى، إلا أنها أخذت في الاتساع في الآونة الأخيرة، وأضاف عبر رأي له أن علاقة الطرفين تعود إلى أيام خالية كانت فيها رعاية الشباب مسؤولة عن النشاط الثقافي قبل أن يتم إلحاقه بوزارة الثقافة والإعلام، ويتذكر المثقفون أيام المزاوجة تلك بالكثير من التقدير لحجم مساهمة الشباب في الثقافة وانحسار آمال المشاركة بعد ذلك وقصرها على نخبة من المثقفين والفنانين. ويستطرد العباس «ربما للتعصب الكروي دور في اتساع الهوة، إلا أنني كتبت بإعجاب كبير عن الكابتن ماجد عبدالله، واصفا إياه بالنصراوي الملتهب إلى الأعالي، ولو كان في ذلك عيب أو انتقاص من قيمة الرياضة وتحديدا كرة القدم بحكم جماهيريتها». وفي الوقت الذي يتبرأ فيه بعض المثقفين وكتاب الرأي من الرياضة وكأنها تهمة أو وصمة عار في جبين الكتابة، يرى الكاتب الصحفي عبدالعزيز السويد أن من يتبرأ إنما هو في الواقع من صورة سلبية ترسخت عن الوسط الرياضي، سواء كانت في النادي أو الصحافة، وليس عن الرياضة والرياضيين، ولا يجب أن يزعج هذا الإخوة في الصحافة الرياضية فالسوق لا زال في نسبته الأعم لهم. أما الروائي تركي الحمد فيقول إن التعصب قد انتقل إلى المجال الرياضي، فأصبح الموقف من الرياضة موقفا غير رياضي وهنا التناقض، الأمر الذي دعا كثيرا من المثقفين إلى إعلان القطيعة، فإن تكون رياضيا معناه أن تتمتع بالروح الرياضية التي قيل ويقال إنك إذا تمتعت بها وصارت من صفاتك فإنك تبتسم عند الخسارة وتتواضع عند النصر وهو ما لا نشاهده على أرض الواقع. ويضيف «مع أن هناك من يرى أن الرياضة في سياقها المعولم الراهن قد ألحقت أضرارا فادحة بالثقافة بقدر ما تلحق أضرارا بالمجتمعات التي باتت مهووسة بالألعاب الرياضية وخاصة كرة القدم، إلا أن الكثيرين ما زالوا يرون فيها متنفسا لهم». الأهلي .. والزمن الجميل من جهته الأديب والكاتب المعروف أحمد عائل فقيهي أنه من الذين ينظرون إلى كرة القدم بوصفها فنا جميلا.. مثله مثل كل الفنون الأخرى.. كالكتابة والرسم على سبيل المثال لا الحصر، ذلك أن لعبة كرة القدم تعتمد على المهارة والابتكار وعلى الموهبة بالدرجة الأولى، وقد قلت ذلك وكتبته، إذ أنني لا أنظر إلى لعبة كرة القدم وغيرها من الألعاب هذه النظرة الفوقية المتعالية والمريضة التي هي عند كثير من الأدباء والمثقفين والكتاب. والمفارقة العجيبة والغريبة أن أغلب الشعراء والفنانين والمبدعين في حقل الكتابة، والمفكرين والفلاسفة جاءوا من القرى والأرياف والمناطق البعيدة ومن الطبقات الاجتماعية البسيطة في الشرق والغرب.. معا في المقابل فإن أغلبية المبدعين والخلاقين والموهوبين أتوا من الأحياء المهمشة والطبقات الاجتماعية البسيطة، وهذا يعني أن لا طبقية في الإبداع الإنساني سواء في فن كرة القدم أو في الفنون الأخرى. لقد اقترن حبي وانتمائي الرياضي الأول للنادي الأهلي.. كان ذلك في مدينتي جيزان، حيث كان الأهلي يمثل لي صعودا لحداثة المجتمع الجديد وحداثة الرياضة وحداثة الدولة.. لذلك كانت ميولي الرياضية وانحيازي الأول للأهلي وقد تزامن ذلك مع انحيازي محليا لفن وإبداع الفنان الكبير محمد عبده. كان انحيازي الأول ولا زال الأهلي الذي أحببته من خلال عبدالرزاق أبو داود، عمر راجخان ، أحمد عيد وسعيد غراب وبقية نجوم كرة القدم وفن الغناء الجميل في ذلك الزمن الجميل، حيث إبداع وصوت طلال مداح وحجازية فوزي محسون وعبدالله محمد وريادة طارق عبدالحكيم وأشعار إبراهيم خفاجي وبدر بن عبدالمحسن ومحمد العبدالله الفيصل ونكهة الأغنية الحجازية ثم النجدية بعد ذلك ثم حداثة الأغنية السعودية. للأهلي حضوره الطاغي في ميولي الرياضية الأولى لكرة القدم وذكريات الأمكنة الأولى والزمن الأول.