قد يوحي عنوان رواية الكاتبة السورية ماري رشو (حرائق امرأة) للوهلة الأولى بوجود مشكلات عند هذه الفتاة تختلف عن معاناتها الحقيقية، غير أن أحداث الرواية تظهر أن مشكلتها ربما كان الأصح التعبير عنها بعبارة «جحيم بارد» على حد تعبير الشاعر الراحل خليل حاوي في عنوان إحدى قصائده، فحالتها بدت كما لو كانت موتا بطيئا. وللمفارقة، فإن الروائية تتحدث في روايتها عن حياة درجنا على وصفها بأنها حياة شرقية، حيث يتحكم الرجل بالمرأة التي لا دور لها إلا الإنجاب وتربية الأولاد والسهر على طلبات الزوج الآمر الناهي، إلا أن عالم بطلة ماري رشو ليس بلدا شرقيا، بل الغرب وربما صح القول بأنه قلب الغرب، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تبدو البطلة في حياتها كأنها تخضع لنوع من العبودية، إنه نوع حضاري لها فيه كل ما تشتهيه ماديا، فالزوج ثري صاحب أعمال لكن حدود حريتها لا تصل إلى أبعد من ذلك، ويتحول الحل إلى اللجؤ إلى نوع من الهروب والتشرد المؤقت، ومرت البطلة بظروف صعبة في طفولتها وصباها وأنجبت ابنة غير شرعية وتقلبت في أعمال مختلفة قبل أن تستقر على وظيفة نادلة في أحد المطاعم، وهناك تعرفت على رجل ثري من رجال الأعمال فأحبها وتزوجا وبدت سعيدة إلى فترة من حياتها، حيث أصبحت أسيرة المنزل وخادمة لطموحات زوجها، وتحول البيت إلى كابوس فهي ممنوعة من العمل كي تتسلى وممنوعة من الخروج، وتقول في وصف هذا العالم: «تراجعت أحلامي شيئا فشيئا، ففي كل مرة كنت أستيقظ من حلم على واقع بات حقيقة، فأنهض من كبوتي مختنقة، كم أكره هذا البيت، كم أكره جدرانه ونوافذه وبابيه، وبخاصة الباب المؤدي إلى الحديقة حيث يقبع الكلب الضخم حارس المكان، كان زوجي راضيا باستكانتي ومعجبا باستسلامي، فيغدق على البيت بلا حساب، فقدت حيويتي ونسيت رغباتي وأحلامي، تعلمت انتظاره ومراقبة تأففه إثر يوم عمل شاق وطويل، وتشوقه لرائحة طهو شهي يسيل له لعابه». لكن كراهيتها لتجربتها التي جرت عليها الويلات دفعها لطلب الطلاق وفي تبرير ذلك تقول: «لماذا وردت فكرة الطلاق إلى ذهني ؟، هل حننت لأيام الفاقة والعوز ؟، أم كرهت القيود؟، كانت إحدى زميلاتي تغني: لست أرضى قفصا وإن يكن من ذهب ..، وأنا أفكر بالطلاق فأرى نفسي وقد امتطيت فرسا أبيض اللون، أطير بلاوزن ولا أثقال، كأنني بلا انتماء أحلق كروح بلا جسد وابتعد إلى لامكان إلى لازمان».