في لغتنا العربية هناك عبارات وجمل تحث على الاختصار والدخول للمعنى مباشرة، لكننا قلما نفعل ذلك، فنحن مهووسون بالإطالة بالتوطئة والمقدمة والاستطراد، قبل أن ندخل لمضمون النص الذي ربما كان الأقل عددا في هذا الجيش من الكلام، والذي لا ينتهي بالوصول المضني لما نريد قوله، بل تستمر شهوة الكلام حتى بعد أن نقول كل شيء، ولذلك لم نكتفِ بالعبارة الشهيرة (أما بعد) التي تستنزف قبلها كل اللغة وكل الوقت وكل الجهد، لم نكتفِ بذلك ولكن أضفنا إليها (أما قبل) إمعانا في اللف والدوران حول المعنى المراد إيصاله اعتقادا منا أننا بهذا نقدم فنا بلاغيا نادرا لا يجيده غيرنا (!) وكأننا لا نعرف أن البلاغة هي (لمحة دالة) وأننا نكرر دائما: خير الكلام ما قل ودل، وأننا نردد مع الشيخ والفارس راكان بن حثلين بقناعة تامة (ما قل دل وزبدة الهرج نيشان) كل هذه القناعات تتبخر عندما نستلم دفة الحديث، ونغرف من بحور اللغة بما يشبه الصيد الجائر. الإعلام الجديد، تويتر تحديدا، كانت له القدرة فقط على تقليم أظافر الكلام وتهذيب حشوه وإجبار المتحدث على تكثيف لغته وضغطها بكبسولة صغيرة جدا تحمل أقل الكلام وأطول المعاني ببلاغة تحقق ما قاله الإمام علي رضي الله عنه: ما رأيت بليغا قط إلا وله في القول إيجاز، وفي المعاني إطالة.. في تويتر، تعلم الكثير منا اختصار الكلام الطويل، وبقي أن نتعلم كيف نطبق ما اختصرناه من كلام، وما نقوله من جمل وحكم لا ينقصها إلا التطبيق الفعلي.