منذ اندلاع الثورة الشعبية في سورية لم يرفع أي شعار ديني، أوطائفي أو فئوي، وإنما كانت ضد الاستبداد بكافة صوره والانتقال من دولة القمع إلى دولة الحريات المدينة. وهذا ما أعلنه الثوار في بعض بياناتهم أي أنها ثورة من أجل كرامة الرجل والمرأة السوريين. من أجل كرامة الشعب المطحون منذ سنوات طوال، إنها ثورة من أجل الإنسان وللإنسان. والمجازر التي يتلقاها الشعب السوري والمؤلمة بكل المقاييس، تصل الجميع بلا استثناء، إلا ذلك الذي يتوافق هواه مع هوى حزب البعث الذي يدل تاريخه منذ تأسيسه في سورية على الوحشية وقمع الإنسان السوري، ولا تفريق هنا عند نظام البعث المجرم بين دين ودين، أو بين طائفة وطائفة، وإنما القسمة هي كالتالي: إما القبول بالنظام، وبكل فظائعه وتبرير كل سلوكياته الإجرامية، أو الوقوف مع الثوار الذي يؤدي ذلك إلى التصفية الجسدية والمجازر الفظيعة. الشعب السوري ليس سنيا فقط؛ بل هو يحمل أطيافا دينية وطائفية مختلفة والنظام ليس علويا فقط، وإنما يشمل كل من يقبل بهذا النظام من كل الأطياف، ولذلك فمن الخطأ وضع الثورة السورية في إطار الطائفية حتى من قبل المؤيدين، إنما هي ثورة الشعب للشعب، وثورة الإنسان السوري من أجل كرامة الإنسان السوري بغض النظر عن دينيه وطائفته ومذهبه. صحيح أن إيران تدعم نظام الأسد من أجل أن يكون أكثر صمودا لكن هذا لا يعني أن الطائفة الشيعية في داخل سورية أو في العام العربي كاملا يوافقون على ذلك القتل والمجازر الفظيعة التي ترتكب بحق الإنسان السوري، وإن كان هناك من يوافق فإن حسه الإنساني غائب وشريك في الجرم، لكن هذا لا يشمل الطائفة، بل يخص الشخص نفسه وغياب ضميره. الشيخ محمد سعيد البوطي مثلا لا يؤيد الثورة السورية، وهو من أعلام المذهب السني في سورية، ومع ذلك فإن موقفه كان مخجلا في دعم الثورة، وهذا يعني أنها ليست طائفية فلو كانت كذلك فإن البوطي سوف يكون في صف مذهبه وليس في مذهب غيره. إن الأزمة السورية ليست أزمة طائفة تجاه طائفة أخرى، وإنما أزمة مجتمع كامل مع نظام استبدادي، كما أن الوضع السوري معقد جدا، وتتداخل فيه الكثير من القوى الدولية، كما أن سورية منطقة تجاذب صراع بين أكثر من جهة دولية تحاول الهيمنة على المنطقة، وتأثير مد ديني أو أيديولوجي ولا يعني أن تبني دولة ما لمذهب ما أنها تمثل ذات المذهب بحيث نحاكم الطائفة بسبب سياسة دولة محددة. إيران هنا مثال جيد في ذلك حيث إنه لا يمكن أن تمثل المذهب الشيعي، ولا يمكن أن يرضى الشيعة العرب بهذه المجازر التي تحصل وكل ما يحصل هو نفوذ إيراني كما في سورية، وحزب الله في لبنان. إن تجيير الثورة السورية على أنها ثورة طائفة ضد قمع طائفة أخرى هو تحجيم لدور الثورة في صياغة مجتمع مدني عام للشعب السوري بكل أطيافه بما فيها المسيحية. إن تعاطفنا مع الثورة السورية ليس تعاطفا مذهبيا، بل هو تعاطف إنساني قبل أي شيء آخر، فسورية للشعب السوري، وليس لحزب أو طائفة أو دين.