أعلنت إسرائيل رأيها صريحاً في النظام السوري الذي لا يزال منذ 12 شهراً يقتل شعبه المطالب بالحرية والكرامة والحكم الرشيد، حيث أبدت اعتراضها على أي محاولة تسعى للإطاحة بهذا النظام، بحجة أن التعامل اليوم مع نظام سيئ في دمشق هو أفضل من التعامل غداً مع نظام مجهول ربما سيكون أسوأ، وهي تقصد هنا احتمال وصول، من تسميهم والولاياتالمتحدة الأميركية «الإسلاميين» إلى الحكم. وهو تعبير ملتبس لأن أكثر من خمسة وتسعين في المئة من الشعب السوري مسلمون، والمجلس الوطني السوري الذي اعترف به الاتحاد الأوروبي، يضم أطيافاً سياسية ومذهبية متعددة وليس طيفاً واحداً. الحقيقة التي انكشفت أخيراً في شكل واضح، هي أن النظام الحاكم في سورية يحظى برضى الكيان الصهيوني منذ أكثر من أربعين عاماً، وإن كان الظاهر من المواقف والتصريحات يوحي بغير ذلك. فمنذ حرب حزيران (يونيو) 1967 والإعلان من دمشق عن سقوط القنيطرة في يد الإسرائيليين قبل سقوطها فعلياً بأربع وعشرين ساعة، ظلت الحدود السورية مع فلسطينالمحتلة هادئة آمنة، بينما كان النظام السوري رفع شعار الصمود والتصدي الذي أصبح لاحقاً الصمود والممانعة، وهو وهم استخدم لخداع الشعب السوري، بل لخداع الأمة العربية بأسرها. وقد خدعت فعلاً ردحاً من الزمن حتى هبّ الشعب السوري، مطالباً بالحرية والكرامة والخلاص من النظام الطائفي القمعي. وكان من نتائج ذلك انكشاف حقيقة هذا النظام في صورته التي كان يدلسها وهي سلطة طائفية غاصبة لحقوق الشعب السوري، وقاهرة له، وضالعة في تأمين الحماية لإسرائيل والعمل على تمزيق وحدة الصف الفلسطيني، وتأليب هذا الفصيل على ذاك، وزرع الخلافات بين القيادات الفلسطينية حتى لا تكون لهم كلمة واحدة وموقف واحد في مواجهة الاحتلال الصهيوني لوطنهم. وفي الجانب الآخر من سياسة هذا النظام، الارتباط الكامل مع التوجه الطائفي لإيران وأتباعها في لبنان، وأخيراً في العراق، وفتح المجال لها لتتغلغل في سورية وتؤسس فيها ركائز قوية وتحقق نفوذاً كبيراً يخدم تطلعاتها المذهبية والإقليمية، ولتسلخها عن محيطها العربي وتدفعها للتآمر عليه. ولهذا لا نستغرب موقف الولاياتالمتحدة الأميركية الذي يسير في ركاب إسرائيل، ويقدم مصالحها على مصالح الشعب الأميركي، حين أحجمت عن دعم المعارضة السورية بحجة واهية روّجتها إسرائيل وروجها النظام الطائفي في سورية، وهي وجود أفراد من القاعدة في الأراضي السورية واختراقهم صفوف المعارضة الوطنية السورية. وحقيقة الأمر أن إسرائيل تفضل بقاء النظام الطائفي القمعي في سورية وتدجينه، لأنه يوفر لها حماية حدود الجولان مع الأراضي الفلسطينيةالمحتلة من أي مخاطر محتملة على الكيان الصهيوني، ويتحكم في «حزب الله» وفي تحركاته. فماذا يعني هذا الموقف الإسرائيلي الأميركي المشبوه حيال ما يجري في سورية من سفك للدماء وتدمير للمدن وقمع للحريات؟ إنه يعني، ويا للأسف، استمرار معاناة الشعب السوري الصابر المظلوم في ظل نظام طائفي قمعي دموي مصمم على تدمير البلاد وإفناء العباد، من أجل أن يبقى حاكماً متسلطاً بدعم من قوى طائفية عربية وإقليمية وقوى دولية لها مصالحها الضيقة وصراعها مع قوى دولية أخرى على الهيمنة والنفوذ. ولن تنتهي هذه المأساة قريباً ما دامت الأممالمتحدة عاجزة حتى الآن عن اتخاذ القرار المناسب بسبب هذا التصارع الدولي، وما دامت جامعة الدول العربية شبه منقسمة تجاه هذا الوضع، وما دامت منظمة التعاون الإسلامي بعيدة من التأثير فيه في شكل فعّال، على رغم التهجّم عليها وإعلان وفاتها من فوق منبر المسجد الأموي في دمشق في خطبة الجمعة التي ألقاها فقيه النظام محمد سعيد رمضان البوطي، أضف إلى ذلك عدم قدرة المعارضة السورية على لمّ صفوفها وتوحيد موقفها. إن ما يجري في سورية اليوم جريمة نكراء لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، سوى جرائم إسرائيل في فلسطين وجرائم الصرب في البوسنة وكوسوفو. وإذا لم يتخذ المجتمع الدولي قراراً سريعاً وحازماً لوقف هذه المجازر اليومية في المدن والقرى السورية، في أي شكل من الأشكال، فإن التاريخ سيسجل في صفحاته أن من أحجم عن نصرة الشعب السوري وإنهاء معاناته، هو ضالع في هذا العمل الإجرامي البشع وشريك فيه. فقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. * أكاديمي سعودي