كنت في لبنان منذ أيام، تحدثت مع كثيرين ممن يحملون رؤى سياسية ومذهبية متنوعة، لكن الجميع أكدوا على أن دور سوريا القوي لا يمكن تجاهله في كل الأحداث التي تمر بها لبنان، وتذكر الجميع كيف كانت سوريا تحكم لبنان بالحديد والنار سنوات طويلة حتى تم إخراج الجيش السوري من لبنان بعد مقتل السيد رفيق الحريري، ولكن سوريا بقيت ذات نفوذ قوي في لبنان حتى بعد خروج جيشها، والشواهد أكثر من أن تحصى. أحداث طرابلس الأخيرة من الشواهد القوية على النفوذ السوري في لبنان فمدينة طرابلس معقل السنة في لبنان، وهي قريبة جدا من مدينة حمص المنكوبة، وقد استقبل الطرابلسيون اللاجئين السوريين وقدموا لهم بعض المساعدات القليلة التي يحتاجها كل لاجئ ، كما قدموا لهم الدعم النفسي والمعنوي، ومع ضآلة هذا العمل الإنساني إلا أن السوريين وأعني الحكومة السورية لم تستطع تحمل هذا الموقف الطرابلسي فحركت بعض أنصارها فقتلوا رمزا من رموز السنة كما أحدثوا فوضى عارمة في المدينة على أمل أن تعم الفوضى في مدن لبنان عقابا لهم على دعمهم المحدود للاجئين السوريين!!!. ولأن المملكة العربية السعودية حرصت في الماضي ومنذ ما عرف ب «اتفاق الطائف» وحتى اليوم على تقديم العون بكل أنواعه لشعب لبنان لكي ينعم بالأمن والاستقرار فإن خادم الحرمين وفقه الله ومثله الشعب السعودي ساءهم ما حصل في طرابلس، فكانت برقيته حفظه الله للرئيس اللبناني معبرة عن أمانيه لما يجب أن يكون عليه الحال في لبنان. أكد خادم الحرمين الشريفين أن المملكة حريصة على وحدة لبنان واستقراره، وأنها ومع شقيقاتها دول الخليج دعمت اقتصاد لبنان لكي ينهض على قدميه، ولكن هذا الدعم لا يكفي وحده ما لم يدرك اللبنانيون جميعا أن عليهم أن يساهموا في المحافظة على وطنهم، وأن يبتعدوا عن الطائفية أو النظرات الفردية لأنفسهم، وبدون ذلك لن يتحقق لهم الاستقرار. وحذر خادم الحرمين من عودة الحرب الأهلية، وطالب الرئيس اللبناني بسرعة إنهاء الأزمة، والابتعاد عن الصراعات الخارجية خاصة أزمة سوريا التي لاتزال مشتعلة. كلنا يعرف أن لبنان يضم طوائف متعددة ومنذ مئات السنين، ولكن هذه الطوائف كانت متعايشة وبصورة متميزة، ولم يبدأ الشقاق بينها إلا بسبب التدخل السوري في عهد الرئيس السابق لسوريا «حافظ الأسد» ثم استمر هذا التدخل في عهد ابنه بشار، واستمر بسبب ذلك الشقاق بين معظم الطوائف اللبنانية!!. المملكة العربية السعودية ابتداء من خادم الحرمين وحتى كافة المواطنين يتمنون الخير للبنان، وبينهم وبين أهلها صلات متعددة، ومن هذا المنطلق يحرصون على استقرارها وأمنها، ولكن الحرص وحده لا يكفي!!. المطلوب من كل الطوائف اللبنانية أن تحرص على وحدة بلدها، وأن تعمل من أجل ذلك بجد وإخلاص، لأن الآخرين لن يتمكنوا من عمل أي شيء مادام الأهل يفعلون ما يسيء لبلدهم!!، العلة الحقيقية تأتي من الداخل دوما، وإذا سلم اللبنانيون من هذه العلة فستكون لبنان بلدا حرا كريما كما نحب لها جميعا.. نصيحة خادم الحرمين نصيحة مخلصة تنبع من رؤية حكيمة ولعلها تجد لها صدى بين اللبنانيين.