لم تدرج الكثير من الكتابات والمؤلفات التي صدرت عن المرحوم الرمز محمدسرور الصبان جوانبه الشخصية والعائلية والزاخرة بالعديد من الدروس والعبر ، أجد أننا كأفراد عائلته أقدر من يستطيع الالمام بالكثير منها ووضعها في اطارها الاجتماعي العام الذي كان سائدا وقت حياته رحمه الله. فما ذكر عن ريادته وزعامته وقيادته سواء في التنوير الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، كان واضحا في مجال علاقاته الاسرية، وحرصه قدر الامكان على طرح نموذج التضحية والقدوة الصالحة لجميع أفراد اسرتنا، بدءا بعلاقته بأخويه المرحومين العم عوض ووالدي عبدالله كونه الأكبر سنا بينهم وبفارق عشر سنوات عن والدي. فبوفاة والده شعر بعظم المسئولية تجاه إخوانه الأصغر منه سنا، فكان أن ترك الدرسة- وإن كان قد حصل منها الكثير مما هو متاح وقتها- واتجه الى العمل بوظيفة في أمانة العاصمة قبل أن يبدأ في تأسيس بعض الشركات تدريجيا لمعرفته بمحدودية دخل الوظائف الحكومية وقتها، وأن هذا الدخل لايكفي لإعالته أسرته وأخوته الذين فقدوا والدهم الذي كان مصدر رزقهم بعدالله ولم يكونوا في سن تسمح لهم بالعمل وقتها. ولم يكن يبادر بإنشاء الشركة تلو الأخرى الا ويشارك أخويه عوض وعبدالله في ملكيتها سواء شاركوا في رأس مالها فعليا أو رمزيا. وأشرك أخويه الاثنين في ادارة بعض هذه الشركات، بعد أن تفرغ شخصيا لمسئولياته الحكومية. وبعد أن انتقل ليعمل في وزارة المالية في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، كاد أن يضحي بهذه الوظيفة لكون عدم سماح النظام بالجمع بين وظيفته وعمله الخاص، وكان أن كتب للملك عبدالعزيز طالبا إعفائه من الوظيفة الحكومية لكبر حجم أسرته وتزايد احتياجاتها، وعدم قدرته الاستغناء عن شركاته الخاصة لهذا السبب، لولا أن وافق الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه على أن يجمع بين الوظيفة الحكومية والعمل الخاص، وتكاد تكون هذه الموافقة الملكية الوحيدة التي صدرت حتى الآن في هذا الخصوص. ومن صفاته العائلية أنه كان يحترم الصغير والكبير، وتجده أمام أخويه عوض وعبدالله وكأنه الأصغر سنا في الحديث معهم بصوت خافت وباحترام شديد وتلبيته لمطالبهم. أما علاقته معنا أولاده وأبناء أخويه فكانت قائمة على الاحترام الشديد للحريات الشخصية قدر الامكان، وكانت تربيته لابنائه ولنا نحن أبناء أخويه بعد وفاة والدنا قائمة على الترغيب لا الترهيب، ويسألنا على الدوام هل جئتم لمناقشة هذا الموضوع أو ذاك للإحاطة أو المشورة، وكيف لنا أن نجرؤ على زيارته بغرض الإحاطة، ولكنه يذكر ذلك لتعزيز حرياتنا الشخصية من جهة، ودفعنا الى الاصغاء والتفكير بتمعن فيما يقدمه لنا من رأي نأخذه على أنه تعليمات يجب تنفيذها من جهة أخرى . وهو غالبا ما يوافق على ما نقترحه في الوقت الذي يوضح لنا جوانبه الايجابية والسلبية، وإن طغت الجوانب السلبية يذكر بأننا احرار لو أردنا اتباع هذه الخطوة أو تلك فنحن من يدفع الثمن، وكان يتمسك بالمثل الشعبي السائد في مكة " الحجر من الأرض... والدم من رأسك " طبعا بذكره ذلك لا يعني التخلي عن أي أحد منّا لو أصابه مكروه لكن يذكر هذا المثل ليدفعنا للتفكير قبل الاقدم على الخطوة واشعارنا بأن الجزء الأكبر من المسئوليه نتحمله نحن. وكان رحمه الله لا يتأفف من زيارتنا نحن أبناء وبنات أخويه - عوض وعبدالله بعد وفاتهما- المتكررة والمحمَلة بمختلف الطلبات ، فكان صدرا رحبا أشعرنا من خلالها بأن أبآئنا لم ينتقلوا الى رحمة الله فكان خير مٌعين لنا على بداية حياتنا الدراسية والعملية. كان رحمه الله مؤيدا وبشكل قاطع لحصول فتيات العائلة على أعلى درجات التعليم السائدة وقتها، بل ذهب الى أبعد من ذلك بأن أبتعث بعض بناته وحفيداته الى الجامعة الأمريكية ببيروت لتلقي التعليم العالي فيها، وشجع شقيقاتي على الدراسة في جامعة الملك سعود نظرا لتوفر التخصص الذي يرغبنه فيها، وهي خطوات كانت نادرة جدا بالنسبة للابناء فما بالك بالنسبة للفتيات، ومثلت رؤية متطورة بالنسبة لعصره الذي ساد فيه مفهوم " الكفاءة فيها الكفاية" والتي تعني أن أعلى مرحلة لتعليم الفتاة هي حصولها على شهادة الكفاءة المتوسطة، فهي تمثل شهادة الدكتوراة وقتها، ويعارض الكثير من أولياء الأمور تجاوز هذه المرحلة من التعليم للفتاه حتى حينما كان التعليم العالي متاحا ومتعددا وبشكل كبير لاحقا. كان رحمه الله أنيق في الترتيب وفي الملبس في منزله، فلم نجده يوما دون ارتدائه "للبيجامه" دون أن يضيف عليها أحد "أروابه" الجميلة الأنيقة، وكان لا يجرؤ أحد منا في الجلوس الى طاولة الأكل الخاصة به قبل من يسبقه سنا، ولذا كان كل واحد منا يعرف مكانه مسبقا نظرا لدوام تطبيق هذا البرتوكول. وكان رحمه الله صبورا مؤمنا بقضاء وقدره، وأذكر حين وفاة والدي المرحوم عبدالله- وكنت صغيرا في السن- أن تقاطر بعض أصدقاء الوالد الى منزلنا لتقديم واجب العزاء، ولم يملك بعضهم نفسه فأجهش بالكاء وبصوت مرتفع، وكان أحدهم المرحوم الشيخ الغالي صالح بوقري – أحد رفقاء درب والدي رحمهم الله جميعا- فما كان من عمي المرحوم محمد سرور الصبان الا أن قام بتهدئتهه، وتذكيره بأننا لابد وأن نصبر وإلا فما يفعل أبناؤه ان كنا نحن كذلك. فكان رد الشيخ البوقري – رحمه الله- بأن " أولاده لم يقضوا حياتهم مع والدهم مثل ما قضاها هو مع المرحوم والدي". وبالرغم من كل هذه الاجواء الحزينة لم تظهر دمعة واحدة على عمي المرحوم محمد وكان يستقبل المعزين بايتسامته المعهوده، ونحن نعرف أن الألم يعتصره خاصة وأنه فقد عمي المرحوم عوض قبل فترة قصيرة من وفاة والدي رحمهم الله جميعا. ويروي أحد أفراد العائلة أنه شاهد عمي المرحوم محمد وهو يبكي بحرقة في الغرفة التي توفي فيها إبنه البكر المرحوم حسن ويقول له:" كيف تتركني وحيدا يا حسن..." أما بالنسبة لأدائه للواجبات الاجتماعية فكان رحمه الله حريصا على الوفاء بها جميعا، وكان يطلب من رفيق دربه المرحوم الشيخ صديق دمنهوري بابلاغه بكل المناسبات وبالذات حالات الوفاة ليقوم شخصيا وبرفقة الشيخ صديق بتقديم واجب العزاء. وكان يقوم بالاتصال هاتفيا لتقديم واجب العزاء ان كان خارج المملكة. وختاما فهذه بعض الأمثلة من الجوانب الشخصية والعائلية الجميلة التي لايمكن حصرها، الا انها جميعا تدلل على تمسكه بالاخلاق والصفات الاسلامية الحميدة، والتي كان يحرص –رحمه الله – أن ينقلها الى عائلته عن طريق كونه " القدوة" واعتمد في ذلك على الترغيب لا الترهيب ليحقق ذلك.