لم يكن يوم الأحد الخامس عشر من شوال الجاري يوما عاديا بالنسبة لي، فقد ودعت والدي (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته) الوداع الأخير بعد أن وافته المنية وهو يؤدي واجبه على رأس عمله في الدفاع الجوي وداهمته سكتة قلبية شديدة لم تمهله طويلا رغم عدم شكواه من أي مرض مزمن أو غيره، وكان قبلها قد أدى صلاة الظهر جماعة وتهامس مع زملائه وكأنه يودعهم الوداع الأخير، فقد عرف عنه طيبته وإنسانيته ومهنيته، وكرس جل وقته في خدمة الوطن عبر صرح الدفاع الجوي منذ 40 عاما. وكانت أصعب لحظات عمري عندما هاتفني أحد زملاء والدي في فترة الظهيرة من جوال المرحوم وأنا في مقر عملي في «عكاظ»، وطالبني بسرعة الحضور إلى المستشفى العسكري معللا أن والدي تم إدخاله إلى طوارئ المستشفى ويحتاج إلى وقفة أبنائه، حينها لم أتمالك نفسي وانطلقت بسرعة البرق إلى المستشفى برفقة عمي زين (شقيق الوالد) وسط دعوات صادقة أن يكون بخير. وكم كانت الفاجعة مؤلمة والصدمة قوية عندما وصلت إلى المستشفى ورأيت مجموعة كبيرة من زملاء الفقيد من المدنيين والعسكريين وهم يقدمون واجب العزاء في والدي يتقدمهم الأخ علي الغامدي الذي حرص على إيصال معلومة الوفاة بطريقة إنسانية هادئة محفوفة بالدعاء، حينها لم أتمالك نفسي ودخلت في نوبة بكاء وأنا أرى أمامي أعز إنسان وقد ودع الحياة وارتاح من همومها، فيما تسابق زملاؤه في التضرع إلى الله بأن يرحم الفقيد ويسكنه الفردوس. وكم كان المشهد روحانيا عند الصلاة عليه وحمل جنازته إلى مثواها الأخير في مقبرة الرويس في جدة. وأخيرا .. لن أذكر مآثر والدي المرحوم، فهناك من هو أجدر وأحق في الحديث عنه، وأترك ذلك لكل من عرفه وتعامل معه، راجيا منهم الدعاء له بالرحمة والمغفرة. ولن أنسى ما حييت وقفة زملاء والدي من الدفاع الجوي الذين لازموني منذ لحظة وفاته إلى آخر يوم العزاء وهم يتسابقون في تقديم يد العون كأسرة واحدة يجسدون أسمى معاني التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد. ** وقفة: سامحني يا والدي فقد قصرت كثيرا في برك وتواصلك والسؤال عنك، ورغم ذلك كنت معنا نعم الأب والأخ والصديق وودعتنا بابتسامتك ودماثة أخلاقك، فأنت لم تمت وستظل خالدا في قلوبنا، وسنواصل نحن أبناءك كل أعمالك الخيرة والإنسانية، ونحرص بإذن الله على صلة الرحم، وتوجيهك الدائم لنا بمساعدة الآخرين، فرحمك الله وأسكنك فسيح جناته. «إنا لله وإنا إليه راجعون». [email protected]