محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر وأمين الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب يعد واحدا من ابرز مبدعي مصر والوطن العربي، تتنوع مصادر موهبته ارتباطا بتنوع مصادر ثقافته المنفتحة على عوالم الشرق بسحره والغرب بتقاليده الأدبية والفكرية. الانفتاح الثقافي عند محمد سلماوي انعكس على عمله الابداعي والفكري والصحفي فجاءت إبداعاته لتثير الكثير من الجدل سواء في عالمه المسرحي الذي عرف بمسرح المواجهة او في فضائه القصصي والروائي الذي كان آخره روايته (أجنحة الفراشة) التي تنبأت بثورة 25 يناير. ترجمت أعماله الى الفرنسية والانجليزية والايطالية والالمانية، وحصل وسام التاج الملكي البجيكي والاستحقاق الايطالي والفنون والآداب الفرنسي. أسس مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى عام 1988، واختاره نجيب محفوظ ممثلا شخصيا له في احتفالات نوبل في ستوكهولم 1988، وأشهر رواياته (الخرز الملون) و(أجنحة الفراشة).. موضوع تقديمنا اليوم. وتمثل رواية (أجنحة الفراشة) منعطفا جديدا في كتابات الرواية الواقعية التي تتنبأ بالمستقبل، حيث كانت الرواية الوحيدة في الوطن العربي التي تنبأت بثورة يناير ودارت أحداثها في ميدان التحرير قبل عام من اندلاع الثورة المصرية. قصة ولادة النص: قصة ولادة النص وعن ظروف كتابة الرواية قال سلماوي ل«عكاظ» لم أكن أهدف الى التنبؤ بما ستجري به الاحداث في مصر، ولكني كنت اصور الوضع السياسي الذي كان سائدا خلال فترة ما قبل الثورة. ويستدرك قائلا: لكن هذه الرواية، وأية رواية لا تصور ولا تكتفي بتصوير وضع سائد انما تعتمد على توالي الاحداث، كان علي ان أمضي في هذا الوضع الى تطوراته الطبيعية من خلال توالي الاحداث داخل الرواية والتفاعل بين مختلف الشخصيات، وقد أوصلتني هذه الاحداث الى النهاية الحتمية لهذا الوضع وهو التفجر في نهاية الرواية في شكل ثورة عارمة تقوم في ميدان التحرير ويقودها الشباب مستخدما وسائط الاتصال الحديثة ورسائل المحمول، ورفض الجيش التدخل فيها وينتهي الامر بسقوط الحكم، وهو السيناريو الذي حدث بالضبط على ارض الواقع. وعن ظروف كتابتها وما لازمها من حالات شعورية انتابته قال سلماوي: أمضيت في كتابة هذ الرواية عاما كاملا وانتهيت منها في سبتمبر 2010 اي قبل ثورة الياسمين في تونس، وسلمتها للناشر الذي وعدني بإصدارها في يناير 2011 تزامنا مع معرض كتاب القاهرة الدولي، وما هي الا اسابيع قلائل حتى وجدتني في ميدان التحرير أشاهد أحداث روايتي تتجسد أمامي على ارض الواقع. ويتابع : ولما كان المكان هو البطل في روايات نجيب محفوظ خاصة الحارة المصرية، فإن المكان هو ايضا البطل في رواية أجنحة الفراشة، والوطن هو البطل في هذه الرواية. من رواية «أجنحة الفراشة» توقف المرور تماما في ميدان التحرير فأصاب قلب المدينة بالشلل الكامل. كل المخارج من الميدان إلى بقية أحياء القاهرة سدت، وكل المداخل إلى الميدان اكتظت فيها السيارات العامة والخاصة. وكأن محركاتها جميعا أصيبت فجأة بالعطب. كان على ضحى أن تمر على الفندق الكبىر الواقع في الميدان كي تتسلم «الجاكت» الذي ستأخذه معها في السفر إلى روما. حين اتصلت في الصباح بمحل التنظيف بالفندق أخبروها بأن «الجاكت» جاهز للاستلام، وكان لديها الوقت الكافي لاستلامه، لكنها وجدت نفسها الآن معتقلة داخل سيارتها كأنها في زنزانة لا تستطيع الخروج منها. أطلت من الشباك على بقية المساجين في السيارات المجاورة، فوجدت وجوههم جميعا قد كستها علامات الأسى والاستسلام. نظرت إلى مؤخرة رأس السائق ورقبته الغليظة فشعرت أنه هو السجان المسؤول عن اعتقالها. قالت له «قلت لك أن تأتي للفندق من مدخله الواقع على الكورنيش وليس من الميدان». لم يرد، مما زاد من حنقها. كانت تعرف أنه لكي ىصل إلى الفندق من الجيزة حيث تسكن كان يجب أن يمر عبر شارع قصر العيني إلى ميدان التحرير قبل أن يتجه إلى الكورنيش، لكنها كانت تبحث عمن تلقي عليه باللوم في هذا الموقف المتأزم الذي يمكن أن يتسبب في تأخرها عن موعد الطائرة. اتصلت بزوجها من تليفون السيارة. جاءها صوت مسجل «الجهاز مغلق أو خارج نطاق الخدمة». اتصلت بمكتبه. ردت السكرتيرة. قالت لها إن زوجها مجتمع الآن مع الوزير، ولا بد أنه أغلق تليفونه. فطلبت منها أن تبلغه حالما تستطيع بضرورة الاتصال بها لأمر مهم. كانت قوات الأمن المركزي تقف كالحائط المنيع.. كسور برلين القديم.. كالحائط الفولاذي الجديد الذي أصبح يفصل مصر عن غزة. كان الجنود المتراصون يحولون دون دخول السىارات أو المشاة إلى الميدان. سمعت من بعيد أصوات هتافات المتظاهرين تعلو وتهبط. بعضها بدا قريبا وبعضها بعيد. لا بد أن أعدادهم كبيرة هذه المرة. لم تتمكن من رؤيتهم من زنزانتها الصغيرة داخل السيارة. ماذا يريدون؟ لو أن كل شخص اهتم بعمله لكانت حال البلد غير الحال ولاستطاعت أن تصل إلى المطار في موعدها. رن جرس تليفون السيارة. كان زوجها: «خير؟ ماذا حدث؟». ردت عليه في انفعال «حدثت مصيبة وأنت تليفونك مغلق أو خارج نطاق الخدمة». قال متلهفا «ما المصيبة؟». قالت «إنني معتقلة هنا في ميدان التحرىر وسط المظاهرات ولن أستطيع اللحاق بموعد الطائرة». «ماذا تقولين؟ معتقلة كيف؟». «ذلك الكردون الأمني يحول دون تحرك السيارات ولا?الناس ولا حتى الهواء». هدأ صوته قليلا وهو يقول «انتظري قليلا لا بد أنهم سيفتحون الطريق بعد قليل». اغتاظت من رد زوجها وأنهت المكالمة. لم تعد تريد أن تأخذ ذلك «الجاكت» معها في السفر، بل لا تريده على الإطلاق، ستشتري عشرة غيره من روما. فقط تريد أن تخرج من هذا السجن المشدد كي تصل إلى المطار قبل قيام الطائرة. اتصلت مرة أخرى بزوجها، فرد عليها في هدوء «ما الأخبار؟». قالت «ليست هناك أخبار. كل شيء كما هو وأنا كما قلت لك ستفوتني الطائرة». قال لها «ماذا تريدينني أن أفعل؟». قالت «لا أعرف. لكنني أعرف وأظنك تعرف أهمية هذه الرحلة بالنسبة لي. إنها مستقبلي كله الذي عملت من أجله سنين ولا أستطيع أن أضيعه بسبب هؤلاء العساكر الذىن يسدون الطريق أمامي. صمت قليلا ثم قال «دعيني أكلم الضابط المسؤول» قالت: «كيف لي أن أصل إلى الضابط المسؤول هذا؟». «اطلبي من السائق أن يسأل عنه العساكر ويحضره لي على التليفون». نزل السائق من السيارة وتحدث إلى العساكر فأدخلوه عبر الكردون إلى حيث لم تعد تراه.. قالت لزوجها في التليفون «لقد ذهب الآن السائق، وإذا فتح الطريق قبل أن يأتي فلن أتمكن من تحريك السيارة». لم يرد. ساد بينهما صمت طالما اعتادته في البيت، إلى أن عاد السائق ومعه ضابط ضخم الجثة حياها فناولته سماعة التليفون دون أن ترد. أدخل الرجل رأسه من الشباك ووضع السماعة على أذنه. لم يقل سوى عبارة «تمام يا فندم» التي أخذ يكررها وهو ينصت لتعليمات زوجها إلى أن انتهت المكالمة. ناولها التليفون وصرخ في العساكر فانفرج الكردون. أشار بيده للسائق فاخترقه في هدوء. صرخ مرة أخرى في العساكر فعادوا يضمون صفوف ذلك الحائط المنيع الذي انفتح وانغلق بصرخته وكأنها الكلمة السحرية. إليك يا محمد محمد سلماوي نجح منذ توليه إدراة اتحاد كتاب مصر، في احتواء جموع كبيرة من المثقفين ومناقشة قضايا الإبداع والفكر وتفعيل ممارسة الحرية بدرجات أكبر بكثير مما كانت عليه من قبل. والآن أتمنى أن يتم توظيف رسالة اتحاد الكتاب لتقترب من رجل الشارع العادي، لتصل إلى المزارع والحرفي والصانع والأمي، دون أن يقتصر عمل الاتحاد في مخاطبة النخبة. فالطبقات المهمشة لديها طاقات إبداعية يمكن الاستفادة منها في خلق حالة إبداعية أكثر ثراء . الشاعر أحمد الجمال محمد سلماوي كاتب ومثقف حقيقي وبعد أن قرأت روايتك (أجنحة الفراشة) توقفت أمام شكل جديد في كتابة الرواية العربية، واستشعرت حسا عاليا فكريا وأدبيا وفنيا يكشف الواقع المصري ويحلله ويتنبأ بمستقبله. وأعتقد أن الكاتب والمثقف الحقيقي هو الذي يقترح أشكالا جديدة للكتابة، ويري الواقع بعين فاحصة. الشاعر سمير درويش عضو اتحاد الكتاب