لم تتعرض مدينة من المدن اليمنية لهذا المستوى من العنف والتهجير مثل «أبين»، ويبدو أن المسألة لا تزال طويلة وغير قريبة الحسم، ف «أبين» تدفع اليوم ثمنا باهظا من عمرانها ودماء أبنائها والجنود المرابطين هنالك في معارك غامضة الدلالات، بطلها الأول تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي يبدو أنه قد رسخ جذوره في الأرض واستفاد من مراحل ذهبية في السياسة اليمنية و اتساع رقعة نفوذ المحسوبية وممارسة الفساد بكل أشكالة وأحجامه وآفاقه، مما جعل الدولة اليمنية رخوة في امتصاص هذه الأفكار وإعادة إنتاجها دما وخرابا وسيرة دولية سيئة السمعة.. إن ما يعانية أبناء أبين أمر فيه من القهر وخيبة الأمل الكثير وهم يتناثرون بعيدا عن مساكنهم وأشغالهم يتأملون في أرواح الجنود التي تزهق في انتظار لحظة الحسم التي لم تأت بعد، وفي ظل دولة تعجز عن توفير حاجاتهم الغذائية والصحية والأمنية، وتعمل على صرف مليارات معنية بمسألة تحليل ووصف ظاهرة القاعدة شرعا وفكرا. إن أبين محافظة منكوبة بكل المقاييس وتنتظر لحظة الانفراج الإلهية، ونهوض مشروع الدولة الذي ينبغي أن يتحقق في ظل التغيير السياسي والقيمي للشعب اليمني الذي تم امتهان قدراته وإمكانياته وحقه في حياة آمنه وكريمة عقودا طويلة.. إن التأملات الوطنية والإقليمية والدولية في الصراع الدامي في أبين سيصل بقضية الإرهاب وعلاقته بالدولة وما حولها من جغرافيا وتأثيرات سياسية وأمنية إلى طريق مسدود. ينبغي أخذ الأمر بجدية أكثر لأن الموت والخراب لن يقفا عند حدود اليمنيين وإنما تأثيرهما سيمتد إن لم تمتد يد المساعدة لانتشال الوضع بكل تشوهاته إلى المستوى الممكن من الجمال الإنساني .