عندما يؤكد الدكتور بسام غلمان رئيس اللجنة العلمية لمؤتمر المشاريع المتعثرة – الذي يعقد في جدة الاثنين المقبل – أن حجم المشاريع الحكومية المتعثرة يزيد على تريليون ريال خلال السنوات الأربع الأخيرة استنادا إلى مصادر رسمية حكومية، فإن الأمر يشير الى خلل كبير ينبغى التعاطي معه بجدية لتأثير ذلك على المسيرة التنموية ومستوى الخدمات المقدمة للمواطن. وفيما يرجع بعض الخبراء هذه الأزمة الى ضعف الرقابة الحكومية ونظام ترسية المناقصات وتأخر صرف المستحقات المالية، يرى آخرون ان المشكلة تكمن في ضعف كفاءة المقاولين وإسناد الكثير من الأعمال لمقاولين غير معتمدين من الباطن والفساد المالي وغيرها من الاسباب . ويتفق الجميع على اهمية الشفافية والتوازن في العقود وتأهيل مقاولي الباطن الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في تنفيذ المشاريع. في البداية يقدر الاقتصادي عبدالله السعدي عدد المشاريع المتعثرة في مختلف المناطق بأكثر من 4 آلاف مشروع تتنوع بين السفلتة والطرق والمياه والصرف الصحي والتعليم وغيرها مشيرا الى ان السمة البارزة للمشاريع الحكومية باتت التأخير والتعثر واصبح من النادر ان ينتهي أي مشروع في موعده المحدد. وأرجع ذلك الى آلية عمل الأجهزة الحكومية، مشيرا الى ان الفترة بين ترسية المشروع وبدء العمل به تستغرق في المتوسط اكثر من عام، وعندما يتم الاستلام قد يفاجأ المقاول بمشاكل في ملكية ارض المشروع او ظهور خطوط للخدمات في الموقع تحتاج الى نقل ، وعندما يتم التخاطب مع الجهات الأخرى لإتمام ذلك ربما يحتاج المقاول لاكثر من عام آخر . وثمة سبب ثالث للتأخير هو التغيير المستمر في تصميم المشروع على ارض الواقع بعد الاعتماد لسبب او لآخر. واشار الى انه في ظل هذه الاشكاليات من الصعب ان يعمل المقاول او يلتزم بتسليم اي مشروع في موعده لأن هذه التعديلات باتت طبيعية وتحدث في 90 في المائة من المشاريع. واعرب عن امله في ان يخرج مؤتمر المشاريع المتعثرة الذي يعقد خلال الاسبوع الجاري بروشتة كاملة لاصلاح هذا الوضع لاسيما وان الاعتمادات المالية متوفرة . لوائح قديمة من جهته قال الاقتصادي خالد باوزير إن لوائح اقرار وترسية المشاريع الحكومية قديمة وتحتاج الى تطوير شامل لمواكبة روح العصر مؤكدا صعوبة الاستمرار في ترسية المشاريع وفق العرض الأقل ماليا دون النظر الى التكلفة الفعلية للمشروع والمواصفات. ودعا الى الاستبعاد الفوري لأي عرض اقل من القيمة الفعلية مع هامش الربح ايضا، لافتا الى ان فلسفة «العرض الأقل» أدت الى تعثر المشاريع لعدم قدرة المقاول على التنفيذ الذي يخرج بجودة سيئة وبالتالي نظل ندور في دائرة الصيانة والهدر المالي الكبير. وتساءل عن دور الرقابة الحكومية في استلام المشاريع داعيا الى ضرورة محاسبة المشرفين على استلام المشاريع في حال ثبوت اي تقصير بها وسد جميع الثغرات امام الفساد وهو الأمر الذي حذرت منه هيئة مكافحة الفساد مؤخرا. واقترح الاستعانة بمهندسين من الخارج للتأكد من استلام المشاريع وفق المعايير الموضوعة مستغربا انهيار الكثير من الطرق عند هطول الامطار ، وظهور العيوب الانشائية في الكثير من المشاريع بعد استلامها مباشرة. وشدد على أهمية مواكبة جميع المسؤولين لطموحات خادم الحرمين في إنجاز المشاريع في المواعيد المحددة ووفق المواصفات المطلوبة حتى لا يؤثر ذلك على مصداقية الجهات الحكومية. من جهته انتقد العقاري فهد الاحمدي بطء وزارة المالية في صرف المستحقات المالية للمقاولين مما يؤثر على سرعة الإنجاز ويؤدي الى التأخير، داعيا الى استحداث جهاز اشرافي لديه صلاحيات واسعة للتنسيق بين الجهات الحكومية وتلافي اسباب التأخير في الإنجاز . وقال «لا يمكن أن ينتظر مقاول المشروع جهة ما لمدة عام من اجل إزالة كيبل». وانتقد غياب خريطة شاملة لمعرفة خطوط الخدمات تحت الأرض، مشيرا الى ان هذا الخطأ غالبا ما يؤدي الى التوقف لمرات اثناء التنفيذ . ودعا الى آلية واضحة المعالم لصرف مستحقات المقاولين بدون اللجوء الى الأبواب الخلفية التي تقوم على المحسوبية والمجاملات. من جانبه اشار العقاري سعد آل مرضي الى اهمية اعادة النظر في الكثير من المشكلات التى يواجهها المقاولون مشيرا الى اهمية العمل بالعرضين المالي والفني في اعتماد المشاريع لضمان التأكد من الالتزام بالجودة. وانتقد تغيير المواصفات اثناء التنفيذ لإرضاء بعض المقاولين حتى يحققوا نسبة ارباح جيدة. واستغرب ترسية غالبية المشاريع على مجموعة قليلة من المقاولين في حين يتم استبعاد الآلاف بدعوى عدم الكفاءة والتأهيل معتبرا ذلك الأمر سببا اساسيا في التعثر. وشدد على اهمية الالتزام بتأهيل مقاولي الباطن لضمان الجودة والتنفيذ بمستويات جيدة مؤكدا ان عملهم بات ضرورة لصعوبة المام جميع المقاولين الكبار بجميع مجالات العمل. وشدد على اهمية العمل بنظام العقد الموحد لضمان حقوق جميع الأطراف بصورة متوازنة بدلا من الانحياز الى الجهات الحكومية. وقدر نسبة المشاريع المتعثرة والمتأخرة ب 80 في المائة، مشيرا الى ان الدولة تطرح سنويا اكثر من الفي مشروع في مختلف المناطق يحتاج تنفيذها الى مئات المقاولين ومراقبة فعالة لهم حتى يتم الإنجاز في الاوقات المحددة. وانتقد دور ادارات المشاريع في اغلب الجهات الحكومية لضعف المتابعة والاكتفاء بالاستلام الشكلي للمشاريع دون التأكد من الجودة والمواصفات.