المَدى شاهدٌ .. والمُدى شاهدةْ بين هذا الذي ندَّعيه زماناً.. وتلك التي تُبدعُ الآنَ أُنقوشةَ الموتِ ظلٌ يمدُّ ذراعيه مُحتفلاً بالسماءِ فتهمي سواداً على ساعِديهِ ... كأنَّ السماءَ استقالَتْ من اللونِ إلاَّ سوادَ خضابٍ قديمٍ على يدها. كلَّما ارتفعتْ هامةٌ للصلاةِ الحزينةِ بادرَها منجلُ اليأسِ كوني سراباً .. هباءً .. صدى. غائرٌ هو جُرحُ الصلاةِ..ومُغتربٌ صوتُها. كلَّما دارتِ الأرضُ دورَتَها فزَّ قابيلُ من حلمهِ الدمويِّ المكرَّرِ.. أصبحتُ قالَ.. وأصبحتِ الأرضُ بالدمِ ! هل كنتُ أحلُمُ؟ أم أنني كنتُ أرعى قطيعاً من الحُلمِ صوبَ الحقيقةِ؟ ليست لتشغَلَني الآنَ هذي الإجاباتُ.. قلبي تقوَّسَ كالتلِّ.. عينايَ رُمحانِ من أزَلٍ موحشٍ مُقفِرٍ.. جسدي مِقبرة. كلما قيل: قابيلُ.. جسَّتْ يدايَ من الأرضِ أعرَاقَها لم تزلْ للدماءِ مواسمُ نُضجٍ قريبٍ فهيّئْ بقلبكَ أعراسَ دَمْ ! هنا آملونَ تفانَوا بآمالهم في السرابِ هنا يائسونَ.. من الناسِ.. حدَّ التجمُّدِ ينتظرونَ طويلاً طويلاً.. متى تترجَّلُ تلكَ القيامةُ عن صهوةِ الانتظارِ؟! سريعاً تمرُّ المسافةُ.. مُبطئةٌ خفَقاتُ الخُطى في المسافةِ لم ييأسِ الآملونَ، ولم يأمُلِ اليائسونَ ولم تُزهرِ الروحُ سوسنةً واحدة. أبحثُ الآنَ عن جسدٍ.. لغةٍ.. تتناسلُ منها اللغاتُ وعن جهةٍ شاردةْ ..! عن بلادٍ تعرَّتْ من الإنتظارِ وشقَّتْ إلى الوقتِ نهرَ دمٍ غائرٍ في الفجيعةِ. عن (حمصَ) .. (ادلِبَ) .. (درعا) التي ادَّرَعتْ بالنشيدِ المقدَّسِ عن (حلَبٍ).. عن (حماهْ ). عن رُفاتِ الزمانِ المنكَّسِ في الوهمِ عن أوَّلِ الدمِ.. آخِرِ نزفِ الجراحِ الثخينةِ.. هذي طريقي إلى الغيبِ من يفتحِ الآنَ لي كوَّةً كي أُطلَّ على شبحي في السماءِ وأرشوَ قابيلَ حين يُفاوضني عن براكينَ خامدةٍ بالدما.. عن دمائي؟ عُبَّ قابيلُ ما تشتهي .. سوف تَشرَقُ يوماً بهذي الدماءِ. والمدى بيننا شاهدٌ.. والمُدى شاهدةْ والزمانُ الذي يتمدَّدُ ما بيننا. ليس أطولَ من لحظةٍ واحدةْ.