إضافة لما يطرحه الإعلام المقروء، لا تمر فترة قصيرة إلا وتستحدث إحدى الإذاعات أو الفضائيات برنامجا حواريا عن الشأن السعودي، الخدمات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتربوية والتعليمية وغيرها، لا يتوقف برنامج إلا ويستحدث آخر. الفضائيات المحسوبة على السعوديين وقنوات غيرها تجد في قضايا المجتمع السعودي مادة خصبة وفاتحة للشهية، تستمع ظهرا إلى برنامج إذاعي ساخن بقضية ما وتستعد في المساء لمتابعة أكثر من برنامج تلفزيوني، ربما يكون آخرها برنامج الساعة الثامنة للأستاذ داود الشريان الذي اكتسب اهتماما كبيرا من المشاهدين رغم حداثته. وقد أشفقت على داود من صعوبة استمرار برنامج يومي بهذا التوجه لأني ظننت أنه سيجد مشقة في الاستمرار بنفس الإثارة والحيوية لأنه في وقت ما لن يجد قضايا رئيسية كالقضايا التي بدأ بها، لكن حين أحضرت ورقة وقلما وبدأت في عد المواضيع التي يمكنه طرحها وجدت أن بإمكان البرنامج الاستمرار لفترة ليست قصيرة.. ونحن هنا لا نروج لداود وبرنامجه أو غيره من البرامج وإنما نحاول التفكير في أسباب كثافتها.. البعض ينظر سلبا إلى هذا الموضوع من منطلق أن ما يحدث ليس إلا جلدا غير مبرر للذات، ومبالغة في التشاؤم، وتضخيما للأمور، وإشاعة للإحباط في المجتمع، انطلاقا من البحث عن الإثارة الإعلامية لأن الأوضاع ليست بهذا التعقيد أو السوء. مثل هذه النظرة لا يمكن الاتفاق معها على إطلاقها، لأنه في الجانب الآخر يمكن أن تكون هناك نظرة إيجابية واقعية تفسر الأمر بطريقة أكثر موضوعية.. نحن مجتمع نهض مؤخرا من مرحلة رتيبة طويلة ليدخل بسرعة إلى مرحلة جديدة في كل شيء، لها متطلبات واحتياجات واشتراطات حياة مختلفة. مجتمع اكتشف نفسه من جديد ووجد أن لديه ملفات كثيرة كان يضعها في الأرشيف لكنه أصبح مضطرا إلى فتحها ومراجعتها. مجتمع يريد أن ينمو ويدخل سباق التطور والتحديث لكنه يجد أن لديه كثيرا من العوائق التي تحد طموحه ولابد أن يتجاوزها قبل أن يتجاوزه الوقت، لهذا ليس غريبا أن نشاهد هذا النبش المستمر لقضايا عديدة ومتشعبة. إنها ظاهرة صحية ومفيدة جدا للوطن إذا تفاعلت مراكز القرار مع هذا الطرح كمعيار قياس لقضايا الرأي العام وتوجهات المجتمع وأحلامه وطموحاته وتطلعاته، وتجاوبت معه باتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.. إنه حراك إيجابي وليس كلاما في الهواء..