العم فارع محمد عبدالله (70 عاما) ما يزال يحرس أسوار مدرسة الفلاح في حي البلد حتى اليوم، ويعد معلما من معالم الحي، حتى أن عددا من المسؤولين في حياتنا اليوم عندما يأتون لزيارته برفقه ابنائهم، يشيرون إليه قائلين «هذا الرجل كان يضربنا بالعصا حين كنا صغارا ومشاغبين». يقول العم فارع «رغم بلوغي هذا العمر، إلا أنني ما زلت أعتبر مدرسة الفلاح بيتي الثاني، لا أستطيع أن أتخلف عنها يوما»، ويؤكد «من هنا تخرج العديد من الأمراء والمسؤولين الذين نقرأ عنهم في الصحف الآن، ونسمع عن أخبارهم مع الناس فهم مسؤولون ووزراء وضباط ويعتلون مناصب كبيرة في البلد، هذا بالنسبة للآخرين من الناس، أما بالنسبة لي فإنهم مهما كبروا ووصلوا إلى مناصب عليا إلا أنهم ما يزالون في نظري أولئك الطلاب الصغار الأشقياء»، ويبتسم ويضيف مؤكدا «كانوا يخشون عصاي ويخافون منها»! ويعود العم فارع بسنوات الزمن الجميل الماضية في مخيلته، ويستطرد «كانوا أولادا أشقياء»، ويضيف ضاحكا «نعم أشقياء لكنهم أذكياء جدا، والمدرسة كانت تعاملهم بحزم وكنت كذلك أيضا، فقديما كان من يتعدى على النظام يجلد جلدا شرسا حتى أن الطالب لا يتمكن من المشي على قدميه، ولهذا تلقوا أفضل تربية وأفضل تعليم، وهم اليوم يجنون ثمار تلك التربية وذلك التعليم». ويحكي العم فارع مواقف تحرجه «كثيرون يقفون أمامي ويسألونني ياعم فارع ألا تذكرني، وأرد عليهم بأنني لا أستطيع أن أميز أحدا لكبر سني وأنهم شباب، وأنا لا أذكر غير وجوه الصبية الصغار حين كانوا في المدرسة، لكنني أشعر بالسعادة حين يقدم لي أحدهم مساعدة ويقول لي أنا أحد أبناء مدرسة الفلاح، وذات مرة واجهت مشكلة صغيرة في جوازات المطار، وفوجئت بأحد الضباط يطلب مني الحضور إلى مكتبه ويستضيفني فيه، وأنهى كل الإجراءات التي أحتاجها، وأنا أتساءل من يكون، إلى أن سمعته يقول لأحد الضباط الأقل منه رتبة: هذا الرجل كان حارس المدرسة التي تخرجت منها، وأنا أذكره حتى الآن بسبب أني تأخرت عن المدرسة يوما ورجوته أن يسمح لي بالدخول فابتسم لي وقال (تريد أن تتعلم ولا خايف من أهلك)، فقلت له أريد أن أتعلم فقال تفضل، ولكن لا أريد أن أراك متأخرا مرة أخرى، وإن تأخرت سوف أجلدك بالعصا، ومنذ ذلك الوقت كلما تكاسلت أفكر في عصا العم فارع».