فيصل بن سلطان: ميزانية 2025 أكدت الرؤية المستقبلية لتعزيز جودة الحياة ودعم القطاعات الواعدة    "الطيران المدني" تُعلن التصريح ببدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين المملكة وفرنسا    خروقات في اليوم الأول ل«هدنة لبنان»    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    التدريب التقني تمنح 63 رخصة تدريب لمنشآت جديدة في أكتوبر الماضي    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    المملكة وتعزيز أمنها البحري    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    هؤلاء هم المرجفون    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علماء جازان وقضاتها أسهموا بفاعلية في بناء المؤسسة القضائية
هويتنا تنبع من تطبيق الكتاب والسنة .. وزير العدل:
نشر في عكاظ يوم 12 - 03 - 2012

أكد وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن الهوية القضائية للمملكة تنبع من تطبيق دستورها الراسخ (الكتاب والسنة)، وأن هذه المسلمة في قضاء المملكة تمثل ثابتا شرعيا تأسست عليه أركان الدولة وقامت عليه قواعدها الراسخة، وأن هذا يمثل الجانب الموضوعي في العملية القضائية، وهو المحتوى والمضمون وبلغة القضاء يمثل منطوق الحكم.
وأضاف: في إزاء ما ذكر فإن المادة الإجرائية المتعلقة بالتنظيمات الإدارية خاصة إدارة الدعوى والمرافعة القضائية مما لا علاقة لها بمحتوى الحكم فهذه نأخذ ما يناسبنا فيها كما نأخذ ما يناسبنا في شؤوننا الحياة العامة، والمادة الإجرائية تأتي لخدمة المادة الموضوعية، ففي الجامعة ندرس الشريعة الإسلامية لكن تنظيمات دراستها الأكاديمية ولوائحها العصرية هي أمور إجرائية مأخوذة عن غيرنا، جاء ذلك في محاضرة ألقاها في جامعة جازان مساء أمس الأول، مفتتحا الموسم الثقافي للجامعة برعاية وتشريف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، وبحضور عدد من أصحاب الفضيلة قضاة المنطقة وكبار مسؤولي الأجهزة الشرعية، ومدير الجامعة الدكتور محمد بن علي آل هيازع وعدد من المسؤولين في الجامعة وحشد كبير من الطلبة.
وأردف: لقد صدرت طلائع تنظيمات القضاء في الجانب الإجرائي من السبعينيات الهجرية، وآخرها الحزمة الجديدة المشمولة بمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء حيث صدر نظام القضاء الأخير عام 1428ه ونترقب خلال الأيام القادمة صدور نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية المعدلين للنظامين النافذين حاليا، وعندما نقول المعدلين نؤكد أننا لا نعيش فراغا في نظام المرافعات أو الإجراءات كما يعبر عنه قانونا ولاسيما في المادة المدنية والجزائية، ولا يعدو هذان النظامان المنتظران سوى كونهما معدلين للنظامين النافذين بما ينسجم مع نظام القضاء الأخير، مع تعديلات يسيرة.
وبين وزير العدل أن نظام القضاء الجديد قد تضمن تطويرا وتحديثا شمل عدة أمور من أهمها تعزيز استقلال القضاء وشفافية المرافعة من خلال علانية مبدأ الجلسات، والتأكيد على نشر الأحكام القضائية، وكذلك إعادة صياغة درجات التقاضي بإنشاء محاكم استئناف ومحكمة عليا، والتوسع في التخصص النوعي.
وزاد: على ذكر الأحكام نشير إلى أن نظام القضاء الجديد توجه إلى التأكيد على خياره في الاتجاه نحو نموذج السوابق والمبادئ القضائية؛ حيث نص على ذلك صراحة عندما قضى بإنشاء هيئة عامة في المحكمة العليا من اختصاصاتها تقرير مبادئ عامةٍ في المسائل المتعلقة بالقضاء، مردفا بالقول: عندما رتب النظام أسلوب العدول عن المبدأ القضائي، (ولا يكون هذا كله إلا والمنظم قد ارتضى خيار المبادئ المستفادة من السوابق)، فإن هذا لا يعني عدم التدوين أو ما يسمى بالتقنين في كافة المواد القضائية، فالمنهج اللاتيني القائم على التقنين لا يعني أنه لا يعمل بالسوابق القضائية مطلقا، وكذلك المنهج الأنجلوسكسوني لا يعني أنه لا تقنين لديه مطلقا، لكن الإطار العام للأول مبني على التقنين والثاني على السوابق، كما نقول تماما بأن الدستور غير المكتوب في بعض الدول لا يعني عدم وجود وثائق دستورية مكتوبة، والدستور المكتوب في دول أخرى لا يعني عدم وجود وثائق دستورية غير مكتوبة، والمقصود في كل كما ذكرنا هو الإطار العام، والصحيح أن السوابق القضائية تمثل مبادئ قضائية وفق الطبيعة العملية للمنهج الأنجلوسكسوني خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
خرج من رحم القضاء
مؤكدا بأن خيار المبادئ في سياق السوابق لا يختلف في النتيجة والمحصلة عن التقنين، ففي كل من الخيارين مادة قضائية تشمل العديد من الوقائع يتعين العمل بها، لكن الأول خرج من رحم ومحضن القضاء والثاني من السلطة التنظيمية، وخيار المبادئ والسوابق مفضل لدى الكثير لعدة اعتبارات منها:
1 أنه خرج من محضن القضاء وما كان كذلك فهو أقرب للصواب فرصيده العملية القضائية وهي الأدرى بشؤونها نظريا وتطبيقيا، ويرى العديد من الحقوقيين أن خروج هذه المادة من مصدرها المختص أولى من غيره.
2 أنه أدعى للقبول به والتفاعل معه من قبل الوسط القضائي المعني بتطبيقه، وأبعد عن مواجهته سلبا من قبل التطبيق القضائي، ولذلك نجد عددا من الأحكام القضائية الأجنبية تناشد مشرعيها تعديل النص القانوني، وأحياناً يصدر عن المحاكم الدستورية العليا أحكام بإلغاء النص لمخالفته نص الدستور أو مقاصد الدستور المسماة روح الدستور.
3 سهولة تعديل المبدأ القضائي في مقابل صعوبة تعديل النص القانوني، فعندما يتجه القضاء إلى أن المبدأ القضائي لا بد من العدول عنه إلى مبدأ آخر فإن زمام ذلك بيد المحكمة العليا، وهي محكمة النقض في بعض الدول، ويتم ذلك بكل انسياب وبحسم سريع، مادامت القناعة متجهة، وداعي العدالة محفزا، في حين يختلف هذا عندما يطلب من المشرع تعديل النص القانوني، خاصة متى ما رأى القضاء في توصية حكمه أن العدالة تقتضي العدول عن النص القانوني فإن المشرع قد لا يوافقه على ذلك ويقيم على رأيه، وبالتالي يحمل القضاء على الحكم بما لا يقتنع بعدالته مطلقا، ما لم تتصد المحكمة الدستورية لهذا الأمر لمخالفة الدستور أو روحه، وهو ما لا يتم إلا في أضيق نطاق كما هو المُستقرأ من أحكام المحاكم الدستورية.
4 حسم إشكالات التطبيق؛ فالقضاء في بعض الأحيان يمارس الرقابة الدستورية الامتناعية لا الإلغائية، فيتحفظ عن تطبيق النص التقنيني عدالة، تأسيسا على أن الدستور ضمن تحقيق العدالة والقضاء أدرى بمناطها وفق ما لديه من أدوات ومكنة يختص بها دون غيره، كما أن نصوص الدستور تلزمه الحكم بالعدالة وليس غيرها، وهذا التسبيب يحمل القاضي على الحكم بخلاف النص التقنيني متى رآه قد جانب العدالة، ليناشد القضاء في ثاني الحال التشريع بتعديل النص المعطل أو المعلق في النظر القضائي.
وقال معالي وزير العدل: إننا نجد أن الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات التي قضت من حيث المبدأ لا بالحسم بإيجاد نصوص فقهية على الموضوعات القضائية على هيئة مواد مدونة نجدها في الحقيقة أتاحت للقاضي الحكم بخلافها على أن يسبب حكمه، وهذا يؤكد ما قلناه سابقا حيث ينتهي الأمر إلى التعويل على ما خلص إليه القضاء في مبادئه التي خرج بموجبها عن النصوص التقنينية والتي أصبحت في حقيقتها استرشادية، والاسترشاد يكون لجهة تفتقد الخبرة والممارسة وليس لمعمل الأحكام القضائية، وسدنة العدالة، وحراس والمشروعية.
وأضاف: كنا في حواراتنا الخارجية في جدل حول الكثير من هذه القضايا التي تمثل بعدا في سجالها الحقوقي، وتؤثر كثيرا على المفاهيم والأحكام الصادرة من الغير وما في بعضها من إسقاطاتٍ سلبية ناتجةٍ عن اختزال المعلومة وعدم وضوح الفكرة.
تساؤل من الخارج
وقال وزير العدل: في هذا الصدد يحسن أن نذكر بأننا واجهنا في تلك الحوارات بعض الإيرادات فقيل لنا: ثمة ملحظ عليكم يتعلق بعدم وجود تقنين ولا مبادئ ولا سوابق قضائية منشورة فأين نجد قضاءكم؟ وكيف لنا أن نتنبأ بما سيصدر عنكم من أحكام؟ وهذا يحتاجه المحامي والمستطلع العام والباحث الخاص، فضلا عن الشاهد على القضاء السعودي، وقلنا لهم إن هذا ينصب تماما على دساتير غير مكتوبة لدول كبرى، وقد عمِدت لذلك لقناعتها بأن الدستور يفترض أن يكون راسخا ومحفورا في الوجدان الوطني لا على مجرد الورق، ومع هذا كما قلنا توجد لديهم وثائق دستورية مكتوبة، ولو سألت أيّ مختص أو معني في ذلك البلد لأخبرك عن تفاصيل دستوره غير المكتوب، ونحن في مبادئنا القضائية أسمى في الاعتزاز ورسوخ هذه المبادئ القضائية في وجداننا الوطني، ولا تكاد تجد واقعة محكومة بمبدأ قضائي إلا والوسط القضائي والحقوقي على دراية بها، ومع هذا وتقديرا منا لوجهة النظر الأخرى عمدنا إلى تدوين الأحكام القضائية بمبادئها ونسعى في هذا سعيا حثيثا ليس تنازلا منا عن تلكم القناعة، لكن احتراما لوجهة النظر الأخرى، وتسهيلا للوصول لتلك الأحكام بمبادئها.
أهلية وكفاءة عالية
وأوضح الوزير بأن رجال القضاء في المملكة على أهلية وكفاءة عالية ولكونهم مثل غيرهم غير معصومين من الفوات البشري كانت هناك ضمانات للتقاضي فهناك محكمة استئناف ومحكمة عليا، ولا عذر لأحد بعد استيفاء هذه الضمانات، وتحدث عن تسرع البعض في الحديث عن الحكم الابتدائي، مشيرا إلى أنه لا يعتبر حكما نافذا إلا بقناعة أطراف الدعوى، لكن متى وافق حكم الاستئناف الحكم الابتدائي وكذلك المحكمة العليا فيما يرفع إليها فماذا يبقى للمنتقد؟ فهناك قاض على الأقل في الحكم الابتدائي وثلاثة في الاستئناف، وكذلك في العليا، وفي بعض القضايا الجزائية التي سماها النظام خمسة من الاستئناف وخمسة من العليا، فهذا العدد كله باختصاصه وخلفيته العلمية وخبرته العملية فضلا عن أنه الأقرب لتفاصيل القضية ومجرياتها على باطل والمنتقد على صواب، وتساءل الوزير هل يقبل هذا، وقال الحكم الابتدائي ليس نافذا ومشمول بالمراجعة القضائية فلا محل إذن ولا وجه لنشره والتعليق عليه سوى إضاعة الوقت فضلا عن الإساءة أحيانا للعدالة على خلفية مشروع قضائي هو محل مراجعة واحتمال رجوع عنه، والتلويح في هذا بالضغط الإعلامي للعدول عن الحكم خطير ويخالف كافة مبادئ وقيم العدالة ومواثيق شرف المهنة الإعلامية؟.
تنويه بعلماء المنطقة
ونوه الدكتور العيسى، في ذات السياق بعلماء منطقة جازان وبخاصة قضاتها وقال: إنهم أسهموا بكل قوة وأمانة وبفاعلية في بناء المؤسسة القضائية قديما وحديثا، وفيهم أعلام كبار من بينهم أعضاء في هيئة كبار العلماء، وقد تشرفنا بتدريسهم لنا في كلية الشريعة والدراسات العليا، وقد أثرى علماء هذه المنطقة المادة العلمية بمؤلفاتهم وبحوثهم فكانوا بحق إضافة مهمة في سجل وطننا المضيء.
ومضى الوزير قائلا: لقد تأسست دولتنا الحديثة على كلمة التوحيد وخطوٍ مسدد لمنهج السلف الصالح بوسطيته واعتداله، هدى الله إليه مؤسسها جلالة الملك عبدالعزيز وأبناءه البررة ملوك هذه الدولة، إلى أن انتهت المسؤولية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أكد بالقول والفعل على أن هذا الأساس المتين ثوابت راسخة وعلامة فارقة في جبين الدولة، وبخاصة في ظل متغيرات عدة يمر بها عالم اليوم، وتجلى هذا الترسيخ في اضطلاعه يحفظه الله بمواجهة أي أسلوب من أساليب النيل من قيمنا أو التأثير على مكونات هويتنا، فترجم بقراراته الشجاعة التي لا تعرف التراخي أو المساومة والمزايدة على هذا المكون العظيم الذي رفع الله به منار هذه البلاد، ترجم قوة القيادة وأمانة الريادة، وقد شكل هذا البنيان التأسيسي صرحا شامخا حمى الله به هذه البلاد من عاديات الشر، والمستقرئ لتاريخها يجد أن دولتنا تجاوزت منعطفات إقليمية ودولية، وتحديدا المتغيرات السياسية والاقتصادية التي عمت العالم وبخاصة الأزمة الاقتصادية، ويلاحظ كل متابع أن تجاوزها كان في مشهد لافت ومحيرٍ للآخرين، ضاربا مثلا لذلك بالأزمة الاقتصادية التي جعلت من رموز الرأسمالية ومنظريها يستدعون الحل الإسلامي في الاقتصاد وعلى وجه الخصوص فلسفة المشاركة في عملية تمويل المشاريع عوضا عن الإقراض المجرد والمراهنة على أرباحه، وهو ما جعل بعض منظريهم يعتقد بأن الاقتصاد الغربي قد يحمل على هذا الخيار لكونه أفضل الحلول المتاحة.
وقال الأزمة أزاحت اللثام عن حقيقة الاقتصاد الرأسمالي الضاغط والضارب بعنف في المفاهيم الربوية المركبة دون أن يكون للمؤسسات المقرضة سوى أخذ الفائدة وإعادة جدولتها بالمضاعفة؛ فهي تعطل جانب المشاركة والتضامن في الربح والخسارة وفق مفهوم المضاربة الإسلامية.
مزايا المنهج الشرعي
وبين الوزير العيسى ميزة وثمرة المنهجية الشرعية التي هدى الله جل وعلا هذه البلاد إليها لتكون قاعدتها المتينة، ومن ذلك: أولا وقبل كل شيء: تحصيل الفلاح والفوز في الآخرة، ثانيا: من بركاتها في الدنيا حماية الوحدة الوطنية والرابطة القلبية بهادٍ يجتمع حوله الجميع ولا يسع أحدا إلا القناعة به والنزول على حكمه، ومن ذلك احترام ولاية الأمر بوازع وجداني دون حاجة للحمل السلطاني، وهذا مطلب مهم، ينعقد عليه وجدان كل مسلم، ولذلك نجد المملكة تمتلك بحمد الله من أدوات الاستقرار والسكينة ما لا تملكه غيرها، آخذة في هذا بالأسباب المادية المتاحة مستفيدة من ذاكرة التاريخ بوعي وحكمة، ثالثا: من بركة الأخذ بهذا المنهج الشرعي الانقياد الطوعي، والإخلاص في العمل والأداء بدافع إيماني لا بحمل إداري، فهو يفعل ذلك ديانة يخشى الله بها ويرجو ما عنده من ثوابها، فهذه المرتبة العليا تنبع من شعور داخلي وهو في الحقيقة مطلب الإدارة الحديثة عندما تنادي بالرقابة الذاتية، ولن تكون هذه الرقابة ما لم يكن ثمة رسوخ إيماني ينتج هذا المطلب عن قناعة داخلية، ورابعا: من ثمار هذا المنهج نمو وتكاثر الأجسام المضادة في جسدنا الوطني الحاضن لأمته الإسلامية لدحر عاديات الشر والفتنة، حيث تتصدع أمام صخرة الإيمان واتحاد الوجدان بمشتركات عديدة لو لم يكن منها إلا مشترك الإيمان وسلامة المعتقد ووحدة الهدف، وفي مشمول راية أمة الإسلام أنها أمة الجماعة ولم تكن الفرقة يوما خيرا بل شرا محضا والخلاف في أصله شر، لكن التنوع العلمي بمدارس وآراء واجتهادات تصدر عن معين واحد، ويحترم بعضها بعضا ما دامت في دائرة المسموح به فهذا من الخير على الأمة ومن عوامل السعة والمرونة والشمول التي تعتبر عنصراً مهماً من عناصر إعجازها.
مرحلة الإقناع أو تفهم الغير
وتابع مؤكدا: لذلك استطعنا بما نملكه من مقومات عدالتنا الإسلامية، محاورة غيرنا وذهبنا لأكثر من دولة ولا نزال على هذا الخطو بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين مستعينين بالله من قبل ومن بعد، واستطعنا الوصول في كثير من الحوارات إما لمرحلة الإقناع أو تفهم الغير لنا وهذا الأخير في حد ذاته مكسب، وليس بلازم عليك أن تقنع الآخرين وتحملهم على قناعتك، لكن إن فاتك هذا فلا تغلب على أن يفوتك تفهمهم لك، وقد قطعنا بهذا العمل الطريق على العديد من المغرضين والمتربصين وبينا للآخرين تقولهم وافتراءهم على عدالتنا وصار في جولاتنا الخارجية من الخير الشيء الكثير والحمد لله على فضله، وهذا جميعه في إطار محور: «التواصل الدولي» لمشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، ونعلم جميعا أن شريعتنا الإسلامية لا بد أن تواكب الزمان والمكان، لأنها شريعة خاتمة ومن متطلبات هذه الخاصية المواكبة والقدرة على التعامل مع المتغيرات الزمنية والمكانية والحضور فيها بقوة وفاعلية وهيمنة شرعية توضح مستوى الإعجاز الشرعي في هديها الكريم، وتابع الوزير العيسى متحدثا بشفافية ووضوح: لا أخفيكم أننا في خضم هذه الحوارات واجهتنا الكثير من الشبهة والإيرادات ومن ذلك اعتقادهم أن منهج الإسلام في القضاء يمثل في مفاهيم العدالة الإنسانية نظرة مخالفة لنظريات العدالة المتفق عليها فهذا قضاء إسلامي وهناك قضاء وضعي بمشتركاته العالمية لا يتفقان، على أساس أن الإسلام يخالف الآخرين بمنهج مستقل وهو ما سبب القلق والتخوف لدى الآخرين وطلب منا البيان عن هذا المنهج الإسلامي الذي تدخل فيما هو خارج النطاق الروحي كما يعبرون.
درء الحدود بالشبهات
وشرح وزير العدل بعض المواقف التي حدثت له أثناء لقاءاته الخارجية وقال: لقد أثاروا في هذا بعض الأمور على أساس أنها قضايا كبرى ومنها قطع يد السارق وقلنا إن القطع لا يكون إلا في أضيق الحالات وشرحنا لهم مفهوم درء الحدود بالشبهات وأن القضاء يتلمس من هذا المبدأ البحث عن الظرف المخفف ولا يعني هذا أنه يلقن المدان الكذب ليفلت من العقوبة الشرعية المحددة، بل يعرض عليه ما إذا كان لديه ظرف مخفف وليس مشددا من شأنه تخفيف العقوبة. وقال: مفهوم القطع هنا يعتمد مصلحة الجماعة من انتشار الآفة، ومثلنا لهم بالعضو المصاب في جسم الإنسان المهدد لبقية أعضائه بالانتشار فقالوا: يجب بتره، عندئذ قلنا لهم: ولماذا؟ فقالوا: حتى لا يسري لبقية الجسم بالانتشار فقلنا لهم: فكذلك ما نحن فيه فلدينا أكثر من سبعة وعشرين مليون نسمة نخشى عليهم من نسمة أو عشر أو ألف تهددهم بسريان آفتها المهددة بانتشار مرض خطير ومهدد لسلم المجتمع وأمنه وسكينته وهذا ما جعل عددا من الدول وهي دول كبرى لا تزال تأخذ بعقوبة الإعدام، وعندما نقول إن الشريعة تبحث عن الظرف المخفف لدرء العقوبة فإنما تثبت أنها لا تتشوف لتطبيق هذه العقوبة بقدر ما تعطي رسالة تحذيرية بحجم هذه الرسالة الرادعة والتي لا تطبق إلا في أضيق الحالات على نحو ما أشرنا إليه، لكن متى ما توافرت شروط إقامة العقوبة وانتفت الموانع طبقت للاعتبار المنوه عنه في المثال السابق، ولم يسع من حاورناهم في هذا إلا أن قال غالبهم وصلنا معكم في هذا إلى ما أسموه بتفهم نوع من الفلسفة الإسلامية في تشريعها الجنائي، ويقصدون بالتفهم تقدير الطرح وهذا في حد ذاته كما قلنا مكسب، ومثل ذلك الجلد، وشهادة المرأة، وديتها، وميراثها.
تعزيز استقلال أحكام الشرع
وأضاف: سئلنا كذلك كيف تحكمون بالشريعة الإسلامية على من لا يدين بالإسلام، فقلنا لهم إن الشريعة الإسلامية بالنسبة لغير المسلمين تمثل القانون الوطني، فيجب التعامل مع هذا السياق على أنه نظام دولة لم يدخل غير المسلم أراضيها إلا وهو خاضع لقانونها ما لم يوجد نص خاص بالمسلمين كما في كثير من مسائل الأحوال الشخصية كالميراث مثلا، وهذا هو المنطق الصحيح فإذا كانت هناك دولة تميل للأخذ باتجاه الفكر الروماني في سن القوانين فهل يحق للمسلم أو غيره عند خضوعه لقانون دولة حل بأراضيها أن يقول قناعاتي العقدية أو الفكرية لا تدين بالفكر الروماني؟ فيفترض ألا يطبق علي.
وخلص بالقول: تعزيز استقلال أحكام الشرع الحنيف وعدم التدخل فيها سادس بركات هذا المنهج، في حين نجد لدى عدد من دول العالم إمكانية التدخل من السلطة السياسية في العفو عن العقوبة النصية أو التخفيف منها حتى لو كانت تتعلق بالقتل، ونتذكر في هذا أن مندوبا من إحدى الدول راجعنا طالبا التدخل بما أسموه استعمال الصلاحية الدستورية السياسية من قبل مرجعيتها بالعفو عن عقوبة قصاص فأخبرناه بأن هذا لا يستطيع أحد التدخل فيه إلا أولياء الدم وأن هذا يمثل بالنسبة لنا نصا إلهيا لا يقبل المراجعة ولا التعديل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.