جلس ابنه ذو السبع سنوات بجانبه وهو يتصفح مجلة شهرية لإحدى المؤسسات ثم سأله ببراءة : «لماذا تظهر صورة هذا الشخص في معظم الصفحات؟» فضحك وأجابه قائلا: «إنه المدير» ! يأخذ الاستبداد أشكالا متعددة، وقد يكون فطريا أو مكتسبا أو مزيجا من الاثنين. يعمد بعض رؤساء المنظمات الإدارية إلى ترسيخ هذه الثقافة بظهورهم في كافة المناسبات، وتصدرهم معظم الأنشطة، وتحولهم إلي ظاهرة صوتية وإعلامية. تتضخم الذات لدى «المدير» بسبب من حوله الذين يخلعون عليه الألقاب والأوصاف بطريقة فجة. فهو وراء كل الإنجازات العظيمة ولولا الله ثم هذا «القائد الفذ» لما حصل كذا ولما تم إنجاز كذا، ويتوارى الجنود المجهولون خلف الكواليس، وتزيغ أبصارهم من الفلاشات المركزة على حضرة «المدير» وهم في الصفوف الخلفية وقوفا. تتعمق هذه الظاهرة في مؤسساتنا الحكومية بسبب الجمود والترهل الذي تتصف به وضعف أداء الأجهزة الرقابية، فكل شيء على الورق مرتب حسب الأنظمة، ولو أن أحدا دقق قليلا لوجد أن القرارات تخدم المصالح الشخصية أولا ثم المؤسسة عاشرا. الانفراد بالرأي يؤدي إلى الاحتقان في أي مؤسسة، ويشيع جوا من الرهبة والخوف وينتج عنه اللجوء إلى أساليب مختلفة للتعبير عن الذوات المكبوتة. بعض القادة الإداريين يتيحون لأفراد مؤسساتهم التعبير عن آرائهم في الاجتماعات، أو من خلال الكتابة لكنهم يصرون على آرائهم وتوجهاتهم؛ إما بالتغافل المتعمد أو بعدم الاستماع بجدية لهذه الآراء أو السخرية منها في بعض الأحيان؛ مما يولد الإحباط لدى أصحاب الرأي المخالف. الأخطر من ذلك انطلاق بعضهم من مسلمات مسبقة، فيحشرون الذين يختلفون معهم في الرأي في زوايا ضيقة بغض النظر عما يقولونه من حق أو يترجمونه من فعل على أرض الواقع. يلجأ المستبدون للاستثناءات وتأويل الأنظمة، وإيجاد المخارج النظامية بمسميات مختلفة لخدمة أنفسهم وخاصتهم ضاربين عرض الحائط بمشاعر زملائهم ولسان حالهم يقول: «نحن اليوم هنا وغدا لا ندري»، منتهزين كل فرصة لتحقيق أجندتهم، ويحولون الكفاءات أصفارا على الشمال، فيتخذون القرارات المصيرية بالنيابة عنهم ورغم أنوفهم ويتركون هامشا ثانويا للفعل لا يسمن ولا يغني من جوع. لو تعامل كل قائد مع الأفكار الجريئة وإلإبداعية بالدراسة والتطبيق لتطور أداء المؤسسات، وانتفع المجتمع. آن الأوان أن نعزز مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار باستقصاء آراء أفراد المؤسسات والمجتمع المحيط بشكل علمي يضمن السرية وحرية التعبير حول قادتهم بحيث لا يتم تعيين شخص أو التجديد له إلا بوجود سجل حافل من الإنجازات مدعم بالوثائق والأدلة المحايدة. للتواصل: Facebook.com/salhazmi1