لم يكن تحديث نظام مجلس الشورى الصادر في 27/8/1412ه واعتماد لائحته الداخلية والقواعد الملحقة بها في تاريخ 3/3/1414ه قرارا استراتيجيا تقتضيه طبيعة الحكم في المملكة القائمة على اعتماد كتاب الله وسنة نبيه منهجا ودستورا للبلاد وتثبيتا لأمر المشاورة وفق الأسس الشرعية فحسب، بل كان قرار التحديث وما تبعه من تنظيمات داخلية ينطلق من رؤية واضحة تؤمن بأن الوطن إنما يبنى بسواعد أبنائه ويقوم على مساهمتهم الفاعلة في نموه وتطوره واستقراره ورخاء مواطنيه، وأن الاستفادة من طاقات شبابه نخبة وذوو الخبرة فيه سيسهم لا محالة في تحقيق الأهداف وصناعة المستقبل. مئات القرارات وبعد 19عاما من تاريخ اعتماد اللائحة الداخلية لنظام مجلس الشورى وانطلاق دورته الأولى، حقق المجلس بدوراته الخمس كثيرا من الإنجازات الكبيرة وأسهم بشكل مباشر في عملية البناء والتنمية وتنظيم العلاقة المجتمعية بين مختلف الأطراف بجميع صورها وأشكالها، وتوطيد العلاقات بأنواعها المختلفة مع الدول الصديقة والشقيقة من خلال مئات القرارات والأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات وبروتوكولات التعاون الإقليمية والدولية. وفضلا عن تركيز مجلس الشورى في جميع دوراته على مناقشة قضايا وهموم الشباب، ومنح هذه الفئة أهمية وصفها الباحث خالد العتيق بالاستثنائية؛ فإن الوطن وما يتعلق بخطط واستراتيجيات تنميته وبنائه، والمواطن وحقه في العيش الكريم كانا حاضرين في كل دورات المجلس وجلساته بدءا من مشروع نظام الملابس والتجهيزات العسكرية الفردية في المملكة، وانتهاء بالخطط الاستراتيجية للتنمية. ومن القرارات التي صدرت عن المجلس فيما يتعلق بالشأن الأكثر التصاقا بالمواطن: قرار وضع قاعدة عامة عند تعدد العقوبات التعزيرية، ومشروع نظام استبدال الحبس أو العمل بالغرامة، ومناقشة طلب بعض العسكريين المتزوجين من أجنبيات إضافة زوجاتهم إلى حفائظ نفوسهم واقتراح وزارة الداخلية إجازة زواج بعضهم، اقتراح نظام يشتمل على ضوابط وقواعد استقدام العمالة. والموافقة على نظام التقويم الشامل للتعليم في المملكة. ووضع الحلول المناسبة لمشكلة غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، ومشروع الاستراتيجية الوطنية الشاملة بعيدة المدى للتعليم التطبيقي والتقني والفني والتدريب المهني، وغيرها من الموضوعات والأنظمة والقرارت التي تلامس الحياة اليومية للمواطن فضلا عن الاطلاع على التقارير السنوية للوزارات والقطاعات والأجهزة الحكومية ومناقشتها خلال جلسة خاصة يستضيف فيها المجلس المسئول الأول في الوزارة أو القطاع. اختيار الأعضاء يعد مجلس الشورى السعودي واحدا من أكثر المجالس الشوروية مهنية، وشمولا من حيث عدد أعضائه وتخصصاتهم وما يمثلونه من أبعاد مختلفة. فاختيار الأعضاء في مجلس الشورى كما تؤكد دراسات صادرة يخضع لمعايير دقيقة تتوخى أقصى درجات الفائدة من العضو وتراعي التنوع الوظيفي، والتخصص العلمي، بما يحقق الشمولية لمعظم التخصصات المختلفة، وبذلك يكون المجلس قادرا على صياغة القرارات السياسية، وصناعتها، إضافة إلى تميزه بحرية الرأي، والتعبير، والموضوعية، كما أن أسلوب الاختيار للأعضاء يبرز البعد العلمي الثقافي إذ يضم مجموعة من المؤهلين علميا في مجالات مختلفة، وتخصصات متعددة، حصلوا عليها من مختلف دول العالم؛ وبالتالي فهم يسهمون، ويثرون كل نقاش يدور داخل المجلس، ولجانه، والبعد الاجتماعي، حيث يراعى في عملية اختيار الأعضاء أن يكونوا من وسط ثقافي جيد، قادرين على التفاعل مع قضايا مجتمعهم، ويملكون الوعي الكافي الذي يؤهلهم لنقل هذا الحس الاجتماعي داخل المجلس وخارجه، إضافة إلى البعد المهني والعلمي والثقافي والبعد الجغرافي المتمثل في تنوع الأعضاء من مختلف مناطق المملكة، ومحافظاتها، ومدنها، وقراها؛ مما يعطي دراية تامة بالخلفيات والمتطلبات في أرجاء البلاد كافة.