يقول الكاتب (رسول حمزاتوف) في بدايات كتابه الجميل (بلدي): (عندما كنا نترقب قدوم القطيع من الجبل تظهر لنا أول ما يظهر قرون الكبش الذي يمشي أمام القطيع، ثم الكبش كله ثم يظهر القطيع. وعندما نترقب عودة الصياد نرى كلبه قبل أن نراه). وأتساءل عما سيظهر لنا أولا من الحياة الأجمل ونحن ندور بين صباح ومساء كالسواقي المحملة بقطرات الماء العالقة بين أخشابها نترقب مقدمها من جهة الشروق؟ كيف تبدو يا ترى؟ هل ستبدو كحسناء فاتنة مجدولة الضفائر؟ أم بملامح غجرية ثائرة كشلال جامح؟ عندما كنا صغارا كانوا يقولون لنا استمتعوا بأعماركم فحياتكم جميلة.. لا تكونوا مثلنا، فالأيام سرقت منا وغادرنا القطار سريعا، أخفته الجبال فلم نعد نسمع صفارته الحزينة ولا صوت ركضه. وكبر صغار الأمس بما فيه الكفاية ولا زالوا يترقبون وجه تلك الزائرة.. لا ينتظرونها جميلة بل يريدونها أجمل. يريدونها بكامل أناقتها بلا تشوهات ودمار، هادئة كمقطوعة النسيم بعيدا عن أصوات المدافع ونظرات القناصة المرعبة. يريدونها أصيلة تشبه الجبال، وصوت الناي، ورائحة الطين، ودفء التنور عند الصباح. أكره الحياة التي كنت أتصورها في حديث الجدات وأسمعها مع نصائح والدي.. الحياة التي تحولت فيما بعد لساحة كبيرة من الزحام والموت والأشلاء والفساد والكراهية.. لا أريد أن أكون كعبدالجليل الغزال ذلك الناجي الوحيد من سجن كان يفوح عذابا في رواية (حافة النسيان) لكي أشعر بطعم الحياة التي انتظرها، ولا أريد أن أكون السجان الذي كان يستمتع بسلب حياة الآخرين لأن أجسادهم الهزيلة خارت أمام جبروته. أود أن أفتح نافذتي كل صباح وأشاهد المارة وهم يضحكون، وأبناء الجيران يقذفون كرتهم نحو الشمس وكل شيء يبدو كالأحلام ولكنه حقيقة.. أجل حقيقة لأنني سئمت سماع كلمة (أحلم) بحياة أجمل. [email protected]