يخطئ من يظن أن الإسلام والإنسانية أمران متناقضان، بل العجب كل العجب أن تحارب الإنسانية باسم الدين! فإذا تكلم أحد عن الإنسانية أو عن أخوة الإنسان لأخيه الإنسان قيل له: إنك تميع عقيدة الولاء والبراء! والمتأمل في المنهج الإلهي الخالد (القرآن الكريم) يجد أن الله تعالى وضع فيه القواعد الكبرى الأساسية في ماهية الإنسان وقيمته وكرامته، فهو قد أخبرنا في سورة البقرة أن الإنسان هو خليفة الله في الأرض! وهو إنما نال الخلافة لإنسانيته لا لدينه! ولما سألت الملائكة قالت: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)!! فهي إنما استنكرت شيئين: الإفساد في الأرض! بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى، وسفك الدماء، أي القتل! القتل! القتل! ولم تقل الملائكة: أتجعل فيها من يكفر بك؟! ولم تقل: أتجعل فيها من يدين بدين غير الإسلام! بل قالت: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء!! وسفك الدماء أمر مناقض للإنسانية! ونجد أن الله تعالى يقرر بشكل واضح وحاسم في القرآن الكريم كرامة الإنسان فيقول في سورة الإسراء: (ولقد كرمنا بني آدم...) ومن كرمه الله فلا يحق لأحد أن يهينه كائنا من كان! بل الله تعالى وحده هو الذي له الحق بإهانته (ومن يهن الله فما له من مكرم) والإهانة أمر مختص بالله تعالى ولو قرأتم كل المواضع التي ذكر فيها لفظ الإهانة في القرآن الكريم لم تجدوه يخرج عن اقترانه بالعذاب (الأخروي)! وهذا القرآن بين يديكم فتأملوا فيه كما تشاؤون.. وحين نقرأ سورة الحجرات نجد أن الله تعالى يوجه نداءه إلى الناس كافة فيقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)! هكذا باختصار!! وبلا تلوين!! ذكر وأنثى وانتهى الأمر! ذكر كسائر الذكران وأنثى كسائر الإناث! لقد قال الله تعالى (لتعارفوا) والتعارف دائما سبب للمودة وتقوية روابطها بين البشر! لكننا مع الأسف جعلنا اختلاف الأجناس والألوان والألسنة موطن استهزاء واحتقار وتندر وازدراء! مع أن هذا الاختلاف موطن تسبيح وتعظيم للخالق الجليل.. لأنه آية من آيات الله تعالى! كالشمس تماما هل ترون الشمس موطن استهزاء؟ هل سمعتم أن أحدا يستهزئ بشكل الشمس الدائري؟ أو أشعتها الآسرة؟ (ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم)... من آياته!! إنه موطن تسبيح ولكننا جعلناه موطن استهزاء وتندر! ولا يزال بعضنا يتكلم بمنطق (أبيض وأسود) (شامي ومصري وسعودي ويمني وأفريقي وآسيوي وأمريكي وأوروبي)!! ومتى؟ في عصر العولمة والشركات العابرة للقارات والمعلوماتية وزوال الحواجز!! لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الإنسانية حين عفا وصفح عن المعتدين الظالمين في أكثر من موقف وهو قادر على العقاب والانتقام والثأر، ماذا لو عاش أهل الأرض في أمان وسلام، يتعاونون في خدمة البشرية، وعمارة الأرض؟! ماذا يجري لو حصل هذا؟ لقد أريقت دماء الملايين من البشر من أجل تعصب مذهبي، أو اقتتال على حطام الدنيا، أو نعرات جاهلية قبلية، ولو جمعت الدماء التي أسيلت في تاريخ البشرية لكانت بحرا زاخرا متلاطم الأمواج... لم يعرف تاريخ الحياة أن جيشا من أسود أو كلاب قاتل جيشا آخر مثله!، ولكن تاريخ الإنسانية عرف هذا في الإنسان مرارا وتكرارا.. حتى قال أحد المفكرين إن نسبة أيام السلام في الأرض إلى نسبة الحرب سنة مقابل ثلاث عشرة... إلى الإنسانية! إلى الإنسانية معشر الحائرين! فتحت رواقها ظلا ظليلا وماء عذبا ومستقرا هادئا للمسافرين إليه يفيئون من عناء الطريق! ** باحث إسلامي