ما بين موجات المذياع المتعددة والرمال الذهبية يقضي رعاة المواشي أيامهم متنقلين ما بين الشعاب والأودية، بحثا عن أفضل المناطق الرعوية، ينطلقون مع بزوغ الفجر للعمل بلا كلل أو ملل ويبدأون يومهم بإعداد الأعلاف وإرضاع صغار الماشية، قبل أن يعودوا مساء إلى عششهم وصنادقهم الحديدية لاحتساء الشاي وتناول العشاء والخلود إلى النوم، على نباح الكلاب وعواء الذئاب. «عكاظ» قضت يومين كاملين مع عدد من الرعاة في وسط الصحراء شمال غرب المدينةالمنورة، للوقوف على طريقة عيشهم في وسط الصحراء المقفرة. يقول الراعي محمد أمين البحيري، «أنا من مدينة المعيلق في شرق الخرطوم وأعمل لدى أحد المواطنين في شرق المدينةالمنورة، والحمد لله على كل حال، فنحن نعيش حياة لا يعلمها إلا الله، ولولا الظروف التي أعاني منها لما عملت هنا بين الجبال والشعاب المقفرة». وأضاف «أعمل في هذه المهنة منذ ثلاثة أعوام، ويبدأ برنامجي اليومي منذ صلاة الفجر، حيث أستيقظ من نومي لإرضاع صغار المواشي والعمل على حلب الأغنام وإعداد العلف، بعد ذلك أقوم بإعداد فطوري وعند الساعة السابعة انطلق بأغنامي للمرعى مصطحبا معي ثلاجة مياه وشاهي وقليلا من الخبز اتغذى عليه كوني أقضي يوما كاملا في المرعى، وعند غروب الشمس أعود إلى «عزبتي»، وأقوم بعدها بإدخال الأغنام إلى الحظائر وأعد طعام العشاء استعدادا للنوم وللعمل في اليوم التالي». أما عن أغرب الأحداث التي واجهته في حياته أثناء تواجده في الصحراء فقال البحيري «لم أواجه موقفا غريبا، بل واجهت موقفا مخيفا ومفزعا تعرضت له في أحد الأيام حينما كنت في المرعى، حيث تفاجأت بطفل يلوح لي ويناديني من مسافة بعيدة ويصيح وتيقنت بأنه قد تعرض لمكروه فتركت أغنامي وذهبت إليه مهرولا، وحينما اقتربت منه شاهدته يبكي فسألته، فقال لي بأنه وشقيقه تعرضا لحادث انقلاب واحتجز شقيقه داخل السيارة، وعندما توجهنا إليها وجدت الشاب حيا وملطخا بالدماء داخل السيارة فقمت بدفعها حتى اعتدلت وأخرجنا الشاب، حينها شاهدنا سيارة قادمة باتجاهنا فأوقفنا قائدها الذي بادر بنقل المصاب إلى المستشفى». الراعي عبد الغني السر يقول «أعيش في هذه الصحراء مع المواشي منذ عامين ونصف العام تقريبا، ورغم أنني لم أكن أعمل بهذه المهنه في وطني السودان إلا أن ظروفي القاهرة أجبرتني على العمل في هذه الصحراء المقفرة». وأضاف «أقضي يومي كاملا وسط الصحراء مع قطيع أغنامي حتى المغيب، أعود بعد ذلك الى عزبتي، وعند المساء وبعد الانتهاء من تعليف الماشية وإدخالها إلى الحظائر أتناول طعام العشاء وأنصرف للاستماع إلى المذياع لمعرفة آخر الأخبار المحلية والعالمية»، واصفا المذياع بالأنيس الوحيد في هذه الصحراء. وأشار إلى أن أكثر ما يقض مضجعه هو عواء الذئاب، التي دائما ما تتجول بالقرب من حظائر المواشي لافتراسها. ووصف الحياة في الصحراء بالصعبة والمريرة، خصوصا أثناء الليل حينما يسدل الظلام ستاره من حولك. وليد عبد الوهاب وجدناه يمتطي حمارا خلف قطيع من الغنم ويحمل معه رفيق وحدته كما وصفه (المذياع) يقول «نعيش نحن الرعاة في هذه الصحراء في ظروف لا يعلمها إلا الله، خصوصا أثناء الشتاء القارس، حيث إننا نقضي النهار في تعب شديد خلف هذه الأغنام وليلنا في معاناة مع البرد، لا سيما وأننا نستيقظ من بزوغ الفجر لإرضاع صغار المواشي والحلب والتعليف حتى شروق الشمس، كذلك الحال مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف نذهب في الصحراء تحت حرارة الشمس والماء الحار الذي نروي عطشنا منه، فلا تسألنا عن حياتنا فأنت أدرى بها في هذه الصحراء».