طرحت شركة الاتصالات السعودية عرض الرسائل المجانية لمدة شهر في تعبير عن شكرها لمشتركيها، بحسب بيانها التوضيحي.. فبادلها مشتركوها حباً بحب! انهمرت الرسائل واخترعت النكات الظريفة والمهذبة والأقل تهذيباً خلال بضعة أيام حتى وصلت قيمة الرسائل في أول 72 ساعة من العرض "التاريخي"، إلى تكلفة تاريخية بلغت مليار ريال، بحسب تصريحات صحافية لمسؤولي الشركة! شخصياً، لا أعتقد، وربما يتفق معي كثيرون، أن الشركة كانت تتوقع هذا الانفلات "التنكيتي" الذي استفاد من عرض "البلاش" بهذا الزخم الكبير حتى اضطر كثيرون إلى إغلاق جوّالاتهم في أوقات النوم والراحة، على الأقل، بسبب النغمات الهادرة من رسائل SMS التي لا تتوقف.. مرة تحمل الجديد ومرات أخرى تحيي ذكرى نكات طال أمدها مع تحويرات تتطلبها اللحظة الآنية. المهم في الأمر أن شركة الاتصالات أعطت، ولو دون قصد، فرصة لمشتركيها لكي يعبروا عن حقيقة حبهم للشركة التي أحبتهم كثيراً من قبل، فكان الجزاء من جنس العمل! وفي أثناء استعراض عشرات النكات الواردة على جوّالي بينما كان زميل لي منهمكاً في العمل ذاته خلال "شهر النكتة" قفزت إلى ذهني فكرة قبل أن نبدأ اجتماع عمل. تساءلت- وأنا أقرأ نكتة مؤدبة جداً - ماذا لو أن كل مؤسسة خدمية سواء حكومية أو أهلية أعطت عملاءها فرصة للتعبير عن مشاعرهم تجاهها بحسب طبيعة الخدمة المقدمة.. كيف ستكون ردة الفعل وما هي النتائج؟! فقط تخيلوا وأسقطوا الأفكار. ألن يكون استفتاءً حقيقياً عن مدى الرضا أو الغضب من جودة الخدمة بشكل مستقل وحقيقي دون هيمنة العقل الواعي والمثالي الذي عادة ما يحضر حين نجيب عن استبيان مكتوب، فنتعاطف مع مقدم الخدمة ونحن نكمل الفراغات أو نشير إلى أحد الاختيارات بخلاف ما نكنه حقيقة لهذه المؤسسة أو تلك؟ إضافة إلى تلك الفائدة، فإن هذه الطريقة ستتيح لكل منتم ٍ للمؤسسة الخدمية من أكبر مسؤول فيها إلى أصغر موظف أن يرصد موقف الجمهور من مؤسسته بشكل شفاف ومباشر، بعيداً عن أي تدخلات قد تطرأ على نتائج الاستبيان من الإدارة المعنية أو من قيادة المؤسسة فيما لو كانت المؤشرات سلبية تجنباً لمواجهة حقيقة الأداء! على شركة الاتصالات أن تشرع منذ نهاية يوم عمل 21 يناير/كانون الثاني في حصر مليارات النكات وتحليل مضمونها قبل أن تحصر كلفة الرسائل المالية التي ربما تتجاوز ال 10 مليارات ريال إذا ما قسنا ذلك بالأيام الثلاثة الأولى من بدء الحملة. على الشركة أن تبحث الأسباب التي دعت بعض العملاء إلى إرسال رسائل دون أي مضمون مباشر، وبعضها يستعرض حروف الهجاء باللغتين العربية والإنجليزية موزعة على عدة صفحات، فيما جاءت رسائل ساخرة أخرى من خلال مواد سمعية تتضمن مساءلة ومحاكمة لأداء الشركة عبر حوار مفترض مع رئيسها! إن هذا الشهر المجاني، المكلف مالياً، فرصة سانحة ليكون شهر المراجعة بالنسبة لشركة الاتصالات، إن أرادت فعلاً أن تستفيد من عرضها المجاني، في تصويب علاقتها مع عملائها بشكل أفضل مما مضى.(حمود الزيادي العتيبي)