باتت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل حضورا يومياً في ذهن المواطن السعودي بصفتها تمثل المؤسسة التي تقوم بممارسة دور رقابي وأمني، وحول ذلك انقسمت مواقف الباحثين والمفكرين فثمة آراء تقول بتطويرها، وثمة آراء أخرى تنادي ببقائها مع تحديثها كجهاز والتفرقة بين الدور الديني والوعظي المنوط بها، والأخطاء والممارسات التي تصدر عن بعض منتسبيها، وإخراجها إلى الدور المدني فتكون أكثر مدنية وأكثر تحديثاً، خاصة بعد تولي الدكتور عبداللطيف آل الشيخ رئاستها، «عكاظ» طرحت على عدد من المفكرين والمثقفين سؤال كيفية تطوير الهيئة وآلية تنفيذ ذلك فجاءت الآراء متفاوتة: وفي البدء، أوضح المفكر الإسلامي الدكتور محمود سفر أن للهيئة دورا عقائديا وأخلاقيا وأنها أنشئت لأجل هذا الهدف. مشيراً إلى أنها تندرج ضمن مؤسسات الدولة وتقوم بالإشراف والرقابة عليها في الوقت ذاته. وقال: رغم أن الهيئة تعد جزءا أساسيا في تكوين الدولة إلا أنها تحتاج إلى تطوير، لأن طبيعة الزمن تفرض عليها التطور والأخذ بأحدث الوسائل والمنطلقات المتاحة دون التفريط في مهمتها الأساسية العقائدية والأخلاقية. وجود الهيئة وحول دور الهيئة في الحفاظ على الالتزام العقائدي والأخلاقي للمجتمع أعرب عن اعتقاده بضرورة وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: الهيئة من أسس المجتمع وفي كل المجتمعات هناك مؤسسات ترعى الجانب الأخلاقي والسلوكي سواء كانت هذه المؤسسات مدنية تعود في إنشائها إلى المبادرات الاجتماعية، أو قامت الدولة بتأسيسها. الارتباط بالأصل من جانبه، أعرب الداعية عبدالله فدعق عن سعادته بالتصريح الأول لرئيس الهيئة الدكتور عبداللطيف آل الشيخ الذي كشف فيه عن منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما أشار إلى أنه سيكون «أمر بالمعروف بمعروف ونهي عن المنكر بلا منكر». وقال: أرتاح لوجود هذه الشخصية على رأس هذا الجهاز الهام لأنه سليل أسرة شرعية علمية وهذا يعني أنه سيقدر الناس جميعاً، وسوف يقدر قيمة من حوله من البشر، موضحاً أنه صاحب آراء مقاصدية تنبئ عن اطلاع ومزاوجة بين النصوص وفقه النصوص والواقع المعاش. وحول رؤيته لتحديث الهيئة قال: الهيئة مثلها مثل أي جهاز ديني آخر لا بد أن ترتبط بالأصل وأن تتصل بالعصر فتقدم للمستفيدين والمهتمين كل ما يربطهم بزمانهم ومكانهم ويومياتهم بالواقع بلغة عصرية تجمع بين النقولات الصحيحة وبين العقل بلغة منفتحة على ما يسمح بالاجتهاد وعلى التحديد بالمبنى على المصلحة. وأضاف أن التطوير يجب أن يكون في الوسائل دون الاستغناء عن القديم النافع. مشدداً على أن الانفتاح بلا ذوبان لا بد أن يتم في إطار الحفاظ على الخصوصيات وأن تراعى فيه الحكمة. مهمة إنسانية وحول ما إذا كانت الهيئة مؤسسة تأديبية ترشيدية تقوم بدورها من خلال أساليب تربوية تسعى لرفع الإنسان من فعل ما يخالف السنة والتقاليد ليصبح فاعلا لها، أم أنها تقوم بدور المجسد للتقاليد والأعراف الشرعية والقاضي فيها بل والمنفذ لأحكام القضاء، قال الأكاديمي والباحث الدكتور أبو بكر باقادر: أتمنى أن تلعب الهيئة الدور الأول بحسب مسماها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط من خلال الأمر بالمعروف وأن يترك النهي عن المنكر للمؤسسات الأمنية. وأضاف افترض أن اهتمام رجال الحسبة لا يقتصر على قضايا سلوكية محددة مثل شكل الثوب أو الاختلاط وإنما يتجاوز ذلك، ليصبح الصوت الذي يعبر عن جميع المواقف المطلوبة لرفع الظلم والقضاء على كافة أنواع الفساد حتى يصبح أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر. وتابع إنها مهمة إنسانية رائعة إذا أصبحت الهيئة الصوت الذي يحمي طموحات كل. حالة الصدام من جانبها، رأت الكاتبة حصة آل الشيخ أنه لا بد من تحديد مفهوم الهيئة وتوضيح حدودها وصلاحياتها والقوانين والإجراءات التي تدير عملها من خلالها، وقالت: من حق المواطن السعودي أن يعرف ما له وما عليه إزاء هذه المؤسسة ولا بد من توجيهها إلى القضايا التي تدخل ضمن دائرة مفهوم الأمر بالمعروف، والمتعلقة بأمن وأمان الإنسان لا محاربة الإنسان في حريته. وأضافت ما لم تصن حرية المواطن سوف تستمر حالة الصدام الذي لا ينفع معه أي نوع من التنظيم. وخاطبت الرئيس الجديد للهيئة قائلة: لا شيء يستقيم مع مصادرة الحقوق وأولها وأهمها حق الحرية الشخصية. تغيير الهوية من جانبه، رأى الأكاديمي والكاتب الدكتور خالد الدخيل أنه لا يمكن تحويل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مؤسسة دينية إلى مؤسسة مدنية إلا بتغيير هويتها. وقال: وإذا أردنا أن تكون الهيئة جزءاً من المجتمع فلا بد أن تتحول إلى مؤسسة خاصة وهذا غير ممكن، لأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أحد المكونات الأساسية للدولة، وتاريخ الدولة السعودية ارتبط في أحد ركائزه على فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. معطيات العصر من ناحيته، أوضح الباحث الدكتور أنور عشقي أن الهيئة مستمدة في الأساس من فقه الحسبة. مشيراً إلى أن الحسبة كانت على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخليفة عمر بن الخطاب وبقية الخلفاء. وقال: جاء في كتاب ابن تيمية الذي يحمل عنوان «الحسبة» أن واجبها هي مراقبة الغش التجاري في الأسواق والمحافظة على آداب البيع والشراء. وقال: يجب تطويرها بما يتفق مع معطيات العصر من خلال وضع ضوابط نظامية وقانونية تؤدي إلى تكيفها مع المعطيات الموجودة، وبناء على ذلك نستطيع إيجاد حسبة ننتفع بها وتكون في الوقت نفسه بعيدة عن انتهاك حقوق المواطنين. سلامة المنافسة وفي السياق أشار الدكتور علي التواتي إلى أن وزارة العدل الأمريكية تقوم بالإنفاق على تطوير معايير ومقاييس علمية لتحليل مدى التركز في الأسواق ومدى سلامة المنافسة بين مختلف الأطراف، وتقوم بتوظيف أساتذة جامعيين لتطوير هذه المعايير والمقاييس وهي الجهة المخولة في الجهاز الإداري الأمريكي من التحقق من سلامة الأسواق. وقال: إن أهم دور من وجهة نظري لجهاز الحسبة هو ضمان سلامة المنافسة في الأسواق ووضع المعايير لحماية الصغار من الكبار التأكد من تطبيق المعايير الأخلاقية في كافة أجهزة الدولة وفي القطاع الخاص في التعامل مع المواطنين من حيث العدالة والمساواة والترفع عن العنصرية والإقليمية والمحاباة. وطالب بالربط بين دور الهيئة ووزارة العدل قائلا: يجب أن يرتبط دور الهيئة بدور وزارة العدل بحيث تكون الذراع الأخلاقي للعدل حسب المعايير والموازين الإسلامية. وبرر ذلك بأن تطور الهيئة ضروري لكي تصبح ذراعا من أذرع تطوير وتنمية المجتمع بدلا من دورها الحالي. وأكد على ضرورة مراقبة ظواهر الرشوة والمحاباة والتعنصر وعدم توزيع التنمية. تلافي السلبيات بدوره، أعرب الكاتب الدكتور عبدالله القفاري عن اعتقاده بتأييد قطاع عريض من المجتمع السعودي لوجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: طالما أن هناك من يدعم الهيئة وبقاءها على المستوى الرسمي والشعبي فالهيئة سوف تبقى مؤسسة من مؤسسات الدولة. وأضاف: ولكن هذا لا يمنع تنظيمها بطريقة تجعلها تتلافى بعض السلبيات التي يتم تداولها من قبل المواطنين السعوديين. واستبعد أن تتحول الهيئة إلى مؤسسة مدنية في المستقبل.