عندما كان المؤسسون لهذا الكيان سياسيا وجغرافيا واجتماعيا يعملون على وضع أسسه ليكون واحدة من أبرز لآلئ المجتمع الدولي الحديث كان هناك أناس يبنون أمجادا أخرى .. مساندة لتلك الجهود، فقد كان الأدباء والمفكرون وساسة العلم والتسجيل والتوثيق والدين يعملون لصالح هذا الكيان، ولعل من أهم الأدباء والمحدثين والمفوهين الذين إذا فتحوا أفواههم قالوا أشياء هي التاريخ بعينه كان أستاذنا محمد حسين زيدان وهو من المشاركين الأوائل في خطوات الصحافة المحلية الأولى .. كان ذلك في الزميلة جريدة المدينة .. وهو الأديب الكاتب والمؤرخ والجغرافي وقبل هذا وذاك المفوه، الذي إن فتح فاه قال .. على عكس كثيرين كانت مهنهم وصناعتهم .. البربرة وكثرة الكلام .. وفتح أفواههم لكنهم للأسف لم يقولوا شيئا. نستعرض في «إعلام» هذا الأسبوع حياة أستاذنا محمد حسين زيدان الذي جمعتني معه لقاءات معدودة كان منها ذلك اليوم منذ ثلاثين عاما في 1982م في مكاتب الجريدة عندما جاء مع سائقه ليكلفني الدكتور هاشم عبده هاشم بكتابة مقال الزيدان الذي سيمليه علي، وهي عادة كنا نتناوب عليها في صالة تحرير عكاظ عندما نحظى بالتعامل مع عبقرية الكلام والفكر وأسلوب وطريقة الإلقاء كما لو أننا في حضرة أستاذ الإلقاء عبدالوارث عسر، وعندما أقول نحن أقصد محاور صالة التحرير في عكاظ يومها سامي المهنا، عبدالكريم يعقوب، بدر العباسي، كلنا دارت علينا المنحة .. منحة هاشم عبده هاشم في فرصة الجلوس إلى حضرة محمد حسين زيدان المفوه الذي كان يسعدنا قبلها في برامجه التلفزيونية البلاغية قبل إفطار كل يوم رمضاني وفي يوم ما .. بعثني رئيس التحرير والزميل مصطفى النعمي لزيارة أديبنا الكبير الزيدان في منزله في حي السلامة فكنت يومها أكثر الناس سعادة وأنا أزوره وكان ذلك قبل وفاته بفترة قصيرة. من هو ؟ هو محمد حسين زيدان .. الكاتب والأديب السعودي البارز من مواليد المدينةالمنورة عام 1325ه 1905م لأب هاجر من صعيد مصر إلى المملكة في حوالى عام 1300ه 1880م التحق طفلا بالكتاب «الخلوة، الخلاوي» أولا ثم بالمدرسة «العبدلية» بالمدينةالمنورة التي سميت فيما بعد بالمدرسة «الراقية» فنال شهادتها في أواسط عام 1343ه (1924م). كما التحق بالمسجد النبوي الشريف وتعلم على أيدي مشايخه. عمل مدرسا للتاريخ والمواد الدينية في المدينةالمنورة بالمدرسة «السعودية» من عام 1346ه 1927م وحتى عام 1352 1933م ثم عمل سكرتيرا لرئاسة مشايخ الجاوة (مطوفي حجاج أندونيسيا) بين عامي (1398 1399ه). ورئيسا مساعدا بقسم الأوراق بوزارة المالية، وسكرتيرا للمجلس المالي، ورئيسا لقسم الحساب السيار المرافق لوزير المالية، ورئيسا للمحاسبة في الوزارة، وسكرتيرا لإدارة الحج، فمديرا عاما مساعدا، ثم رئيسا لمالية مكةالمكرمة، فمفتشا عاما مساعدا فمديرا لشؤون الرياض، ثم مفتشا عاما للحج، فممثلا ماليا لوزارة المالية في وزارة الداخلية. في العام 1373ه (1953م) أحيل إلى التقاعد قبل بلوغه السن القانونية فتفرغ للأدب والفكر والصحافة. الزيدان صحفيا وفي الصحافة السعودية شهد الزيدان بدايات تاريخها محليا وعمل فيها كاسم فاعل بدءا من محرر صغير يعمل بجريدة المدينةالمنورة، ثم مديرا لتحرير جريدة البلاد ثم رئيسا لتحريرها بين عام 1380/1381ه (1960/1961)، ثم رئيسا لتحرير جريدة الندوة، ورئيسا لتحرير مجلة (الدارة) التي صدرت عن دارة الملك عبدالعزيز بالرياض عام 1395 1975م بالإضافة إلى ذلك فقد كان محمد حسين زيدان من مؤسسي نادي الخطابة بالمدينةالمنورة. وشارك بالكتابة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية وفي الصحف والمجلات المحلية. ساهم في تمثيل المملكة في عدد من الاجتماعات والمؤتمرات الأدبية في الخارج. وكان عضوا في اللجنة العليا لجائزة الدولة التقديرية في الأدب. وتم تكريمه في النادي الثقافي الأدبي بجدة في حفل خاص عام 1408ه/ 1988م وهو عضو في دارة الملك عبدالعزيز. وأبرز مآثره مشاركته في تأسيس الرابطة الإسلامية التي اختير مساعدا لأمينها. قالوا عنه عن محمد حسين زيدان تحدث كثيرون كان منهم الموسيقار غازي علي الذي يقول: الرجل هامة تستنير به رؤانا نحن مثقفي المملكة، وكنت أحد قرائه الذين يستمتعون بتمره وجمره ثم إن متعتي وأنا أتابعه والشيخ علي الطنطاوي قبل الأفطار كل يوم قبل أن تداهمنا فضائيات العالم لم تكن تضاهيها متع الدنيا. ويقول الزميل التربوي والإعلامي خالد الحسيني: ما زلت أتذكر وأنا في المرحلة الابتدائية حرصي على متابعة برنامجه الإذاعي «كلمة ونص» في الثمانينيات الهجرية (الستينيات الميلادية) وأذكر تماما في صغري كم كنت أستمتع وأنا أستمع إلى هذا البرنامج وأنا لم أزل بعد طفلا، والبرنامج كان ثقافيا توجيهيا يسرد حكايا العديد من الشخصيات، ثم وعندما بدأت خطواتي الصحافية في العام 1397 ه 1977م كنت أسعد بالالتقاء به في مكتبي رئيس تحرير جريدة البلاد الراحل عبدالمجيد شبكشي ومدير تحرير البلاد ونائب رئيس تحريرها فيما بعد هاشم عبده هاشم. وكم كنت أزداد سعادة عندما يطلب مني كتابة ما يمليني ليكون مقاله في اليوم التالي في الجريدة وكم كنت أسعد بصوته وطريقة إملائه لي ما يريد أن أكتب. ويقول العقيد متقاعد شحات مفتي مدير مرور جدة الأسبق الذي مازالت جمعويته الأسبوعية تجمع العسكريين قدماءهم والجدد منهم في منزله العامر في جدة: الرجل رغم عظم مكانته في حياتنا الثقافية والاجتماعية كان متواضعا طيبا (رحمه الله) وأتذكر أنه عندما كنت مديرا لإدارة مرور جدة جاءني يتشفع في استخراج تصريح قيادة لشاب لا يعرفه من قبل .. فجأة دخل علي في مكتبي ففززت ناهضا لاستقباله ليطلب التوسط لهذا الشاب، قلت له لن أسمح لك مجددا بالقدوم إلى مكتبي فإذا أردت مني شيئا أتيتك أنا إلى منزلك في أي طلب لك.