دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم إلى التصالح بين الناس، مؤكدا أن التصالح هو سبب المودة ويمنع القطيعة ويبعد الشحناء لما له من عظمة في بناء الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم. وقال في خطبة الجمعه في المسجد الحرام أمس: «في الناس الحليم المتأني المحتقظ برجاحة الذكر ورجاحة الخلق فلا يغضب من قليل يسمعه فيوقعه في كثير يكرهه، وفيهم الطائش الأهوج وضيق الأفق الذي تستخفه الثوابت فيحمق على عجل ويكون لسانه قبل عقله وقلبه والمؤمن الكبير من هؤلاء إنما هو مصلح عظيم يجمع ولا يفرق ويصلح ولا يفسد» وبين أن الناظر في الناس اليوم يجد خلوة تخدش صفاء المودة والإخاء وتظهر في الهواء المتبع والإعجاب بالرأي وظهر الاستهتار بالألفاظ ليركز خيمة الخصومة فلم يفرق البعض بين العالم والجاهل والحاكم والعادي وصار منطق بعض عشاق القلم ينهج المنهج الأول «ما أريكم إلا ما أرى» فطاشت ضوابط السلوك وكثرة الزلات فثارت أمانة الكلمة وتلاشت الثقة العزيزة وتصدعت الأخوة ولم يكن في الساحة إلا سوء الظن. وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الصلح نهج قويم وملاذ لكل تائب فالصلح جائز بين المسلمين في الحقوق وواجب لنزع فتيل التباغض وبالصلح تنبذ الأنانية. وقال: «الصلح سبب المودة ويمنع القطيعة والصلح قد يكون خيرا من فض الخصومة لما يورثه من الشحناء وفي الصلح إذكاء لعظمة التسامح وبالصلح تقل المحاكمات ويقضي على الأزمات ويرفع الفهم الخاطئ ويحل الفهم الصحيح ويعظم الأجر ويمحو الوزر ويصلح حال الأسر ولن يأتي ذلك إلا بالعزم الصادق والنية الخالصة بالإصلاح من قبل المصلح». وفي المدينةالمنورة، دعا إمام المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير المؤمن أن يصون نفسه عن كل فعل يعود عليه منه سبة أو يعلق به منه عار وقال: «ربما سقطت وجلبت فضيحة لا تطفئ نارها»، وأضاف في خطبة الجمعة في المسجد النبوي أمس، «من شغفه الهوى وضعف عن المجاهدة فليستتر بستر الله تعالى ولا يجاهر بمعصيته ولا يعلن بفجوره ويلزمه مع ذلك التوبة والإنابة والندم على ما صنع والإقلاع عما فعل»، محذرا من صنف من الناس تهفو نفسه إلى معرفة الخفايا والأسرار وتتبع العورات، وقال : الحذر الحذر.. فإن طالب الوديعة خائن وخاطب السر عدو، وأضاف «دين المسلمين هو دين الستر والتزكية والنصيحة لا دين الهتك والفضح وإشاعة الرذيلة»، وزاد «على المسلمين أن يظهروا المحاسن وأن يستروا القبائح وأن يشهروا الخير والنصائح وأن يغطوا العيوب والفضائح، ومن عمل من مسلم فجورا أو قصورا فلا يظهر للناس زلته ولا يشهر بين الخلق هفوته ولا يكشف ستره ولا يقصد فضيحته بل يخفي عيوبه». ونبه إمام المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير، المسلمين،قائلا: «من تتبع عورات المسلمين والمسلمات والتمس معايبهم ومساوئهم وأظهرها وأشهرها بقصد فضحهم والإساءة إليهم وتشويه سمعتهم والحط من قدرهم فقد ارتكب فعلا محرما وأمرا مجرما لا يقدم عليه إلا خسيس الطبع ووضيع القدر وساقط المنزلة»، وأضاف «على المسلمين أن يتقوا الله وأن يظهروا المحاسن وقيم الإسلام وأن ينشروا البر والخير والإحسان». من جهته، علق الشيخ صالح سعد اللحيدان المستشار القضائي الخاص للجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج، أستاذ القضاء الجنائي، قائلا: «إن من المبادئ الإسلامية حسن الخلق والأمر بالمعروف وبذل النصيحة بشتى أنواعها»، وأضاف «الصلح بين المسلمين المتخاصمين خاصة من عليهم الأمر والنهي والأقارب من الأصول والفروع وكذلك الخصومة بين الزوجين من الأمور التي ندبت اليها الشريعة الإسلامية»، وأضاف «الفطرة والتسامح أمر أخلاقي ضروري لمسيرة الحياة وتنميتها فكتاب الله مليء بالتوجيهات الدالة على ذلك، لكن يجب أن نفهم أن الإصلاح يكون في غير الحقوق المتعدية لأن الحقوق المتعدية لا يتم الصلح فيها إلا بعد معالجة وضعها فمنها ما يتطلب إعادة حقوق الناس لها ويجب أن نفهم أن الصلح غطاء لأمر يجب أن يبحث فهو مفتاح بيت كبير يجب أن يتم تهيئته قبل السكنى فيه»، وأشار اللحيدان من الحقوق التي يجب أن ترد الغيبة والنميمة خاصة إذا ترتب عليها ضرر وكذلك السرقة والتخبيب وهو تدخل أهل الزوجة وقرابتها في تغييرها على زوجها وكذلك تغيير الأفكار وغسلها وهذا لابد فيه من إصلاح الذات، وبين «إنني أتمنى من الخطباء والكتاب والعلماء والدعاة أن يبينوا ويؤصلوا الأسس والقواعد فيفرقوا بين الأصل والفرع من خلال الصورة والدليل والمثل». أما الدكتور أستاذ علم النفس بجامعة أم القرى محمد حمزة سليماني، فقال: «الخلافات التي تحدث هي محركات نفسية مرحلية وقد بدأت تطغى مع الأسف الشديد على سلوك الأفراد بسبب سلوك سوء الظن والفهم بماذا يقصد الطرف الآخر مما ولد المشاحنات والدسائس والمؤامرات وكل هذا من النفس الأمارة بالسوء ولو نظر الإنسان إلى نفسه الخاصة لوجد أنه ينبغي أن يعيش عيشة سعيدة وذلك بحسن الظن في الآخرين»، وأضاف «النفوس تغيرت وبدأت عملية التأويل والتفسير من منظور ذاتي حيث يرى الواحد أنه على حق والآخرين على باطل وبدأت تكثر المشاحنات والخلافات ولابد من العودة الحقيقية إلى مطالب الشريعة الإسلامية الحاثة على المحبة والإخاء والتسامح والابتسامة في وجه الآخر والإيثار وحسن الظن بالآخرين حتى يهنأ الجميع بحياة سعيدة بعيدة عن كل المشاحنات». بدوره، رأى الدكتور عبدالله الحامد أستاذ الأدب والنقد المشارك في جامعة الملك خالد في أبها، ليس أجمل من الهدي النبوي فالإسلام يتعامل مع النفس الإنسانية واقعيا والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم تذنبوا وتستغفروا لأتى الله بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم»، وقال: «الخطأ الإنساني هو أمر محتم بفعل الضعف الذي شكل الإنسان ويأتي التعامل الإيجابي مع هذه الأخطاء بكتمانها أولا ثم الاستغفار عنها لأن في هذا فتحا للعلاقة الرائعة بين العبد وخالقه التي تقوم على الندم والاستغفار والتوبة بعد الخطأ»، وأضاف «الذين يتتبعون عورات الناس هم في حاجة ماسة إلى أن يعوا أن هذا ليس خلقا إسلاميا وأن في تتبع عورات الناس إثما كبيرا وردت فيه النصوص الشرعية المحذرة من هذا المسك وعليهم أن يعوا أن هناك أحاديث تحذر من ذلك وتعودهم بأن عوراتهم ستكون هي المتتبعة».