من المؤكد أن جل الدول -إن لم أقل كلها- كانت تستخدم «الشائعات» في حروبها، ويخيل لي أن في كل أجهزة الاستخبارات بالعالم قسما مهمته صناعة الشائعات لتستخدم في الحروب كسلاح. هذه الأجهزة كانت لها قيمة كبيرة في الحروب قبل ثورة الاتصالات، ويمكن لشائعة «تدمير مدينة في بلد ما» أن تخيف سكان باقي المدن سابقا، فيما الآن يمكن و«بضغطة زر» أن تختبر صحة هذه المعلومة وتشاهد على الهواء مباشرة تلك المدينة التي قيل لك أنها دمرت. قلت هذه الأقسام كانت لها قيمة كبيرة قبل ثورة الاتصالات، بيد أنها الآن ضعفت كثيرا ولم يعد لها نفس القيمة بالحروب كما في السابق، ومع هذا ما زالت الشائعات حاضرة. وما زال الكثير يتأذى ويشتكي من الشائعات ويطالب الآخرين بعدم نشرها، في نفس الوقت يرددها دون قصد منه، أو ربما بسبب الرتابة والملل يرددها على أنها معلومات موثوقة وليست شائعة، ليضفي الإثارة على الاجتماعات العائلية. رغم قبح الشائعات إلا أنها وبشكل ما هي أشبه بمؤشر أو قياس لأمرين في المجتمعات؛ فهي من جهة تخبرك عن ضبابية وشفافية المجتمعات على جميع المستويات. هي كذلك -أي الشائعات- تخبرنا عن نوعية العقول، فلكل عقل مقاسه الخاص إن لم تتناسب القصة مع مقاسه لن يستطيع تصديقها ولا هضمها. فالعقل المؤسس على التأمل والتحليل والمنطق والمستند إلى المعرفة، لا يمكن لك أن تمرر عليه شائعة «أن هناك ساحرا قادرا على أن يحقق لك كل ما تريد، حتى المنصب يمكن له أن يعمل لك عملا وستحصل عليه». مثل هذه الشائعة سيفندها العقل سريعا، وسيسأل: إن كان هو قادرا على فعل هذه الأمور، لماذا لا يفعلها لنفسه أولا؟ فيما العقل الذي يحتمل ويصدق شائعة «مكينة الخياطة والزئبق الأحمر، الفطور المفضل لخدم الساحر»، عقل لم يصنع جيدا وقابل لكل الخرافات. [email protected] للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة