10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشائعات .. إثارة للفتنة والبلبلة وبث للفرقة وتشتيت للصف والوحدة
نشر في عكاظ يوم 23 - 12 - 2011

لا تزال شائعة احتواء «ماكينة سنجر» للخياطة على الزئبق الأحمر عالقة في أذهان المجتمع بأسره، بعد أن استغل مروجو الشائعة جهل الناس بالمعلومة الحقيقية، فباتوا يبيعون ويشترون فيها بأغلى الأثمان، ووقع كثير من المواطنين ضحية لهذا الاحتيال. الشائعة التي تم تداولها عبر البريد الإلكتروني كانت تقول«إن قيمة العلبة منه، التي تكون في حجم عبوة المشروب الغازي، تتجاوز 7 آلاف ريال»، ما جعل سبل انتشارها أسرع بكثير وخلال زمن قياسي، وعلى الرغم من أن هذه الشائعة لم تأخذ اهتماما كبيرا يوازي ما أخذته ماكينة الخياطة، إلا أنها باتت من النوادر والطرائف التي تناقلتها المجالس والتجمعات. لم يكن هذا الموقف وحيدا في الساحة، فهناك شائعات على المستوى الاجتماعي والأوساط الفنية، وأخرى تمس الجانب السياسي وبعضها تخطت النطاق المحلي لتبلغ الآفاق، خصوصا في ظل الطفرة المعلوماتية والثورة الإلكترونية التي تتسارع وتتنامى يوما بعد يوم لتحمل هذه الشائعات إلى أبعد مدى يمكن أن تصل إليه. وامتدت آثار الشائعات لتصل الوسط الرياضي بدءا بالانتقالات والتعاقدات المختلفة، ومرورا بأعضاء الأجهزة الإدارية والفنية الذين يتم اختيارهم للإشراف على الألعاب المختلفة، وانتهاء بالقرارات الرسمية التي تصدر بحق مختلف المنتمين للوسط ذاته.
ويشكل توجيه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أمراء المناطق بإلزام الجهات الحكومية في في مناطقهم ومحافظاتهم بالرد على ما يتم نشره في وسائل الإعلام بكافة أشكالها، وإيضاح الحقائق في وقت مبكر، خطوات فعالة ومتميزة من شأنها وأد الشائعات في مهدها قبل أن تتلقفها المواقع والأسماع في كل حدب وصوب.
وهناك جهود برزت أخيرا من شباب متطوعين بادروا بتأسيس موقع اسمه «تأكد» بهدف التأكد من الشائعات المتداولة بين الناس ودحضها إذا ما كانت مخالفة للواقع.
ومن ذلك ما أشيع عن الشيخ الدكتور عبدالله المطلق من طرائف أثناء إجاباته على المستفتين وتتناقلها بعض المواقع الإلكترونية، إلا أن الشيخ المطلق نفى للموقع ذلك كله وقال «أطالب الجميع بالتثبت في نقل الأخبار والتأكد منها».
إذا فالقضية لا تخص وسطا دون آخر ولا جانبا دون غيره، ونستطيع تسميتها بالهم المجتمعي، الذي يمس أفراد المجتمع ومؤسساته كلها بدون استثناء، وهو الأمر الذي استدعى فتح هذا الملف محاولة للوصول إلى علاج ناجع لهذه الظاهرة، التي استشرت بفعل التقنية الحديثة التي زادت من تأثيرها على الرأي العام وغيره.. فإلى التفاصيل:
الكاتب راكان المجالي يوضح لنا أسرار وجود الشائعات وطرق انتشارها وأهداف مروجيها، إذ يقول إن نقل الحقائق أولا بأول هو العدو الرئيس للشائعات، التي لا تظهر وتتعاظم إلا في غياب الحقائق، فالإثارة والغموض هما الشرطان الأساسيان اللازمان لانتشار أية شائعة.
وأبان أن للشائعات أنواعا، منها «الشائعات التفسيرية»، التي تصدر عن الناس الذين صدموا من حدث مروع ومفاجئ، ويبحثون له عن تفسير. و«الشائعات التبريرية»، وهي التي تصدر وتنتشر عن طريق مصادر محددة، لتبرير قرارات أو إجراءات أو مواقف. و«الشائعات التدميرية»، التي تهدف إلى تشويه وتدمير الصورة المعنوية العامة لشخص حقيقي أو معنوي، خدمة لمصلحة آخرين. وكذلك «الشائعات العلاجية»، التي تستهدف رفع المعنويات العامة، ومعالجة الإحباط واليأس في نفوس الناس، عبر تمرير أخبار وهمية ولكنها مرغوبة، ليحلم الناس بها. وعادة ما تحظى هذه الأخبار بأهمية مطلقة في حياتهم، خصوصا تلك التي تتعلق بمعجزات دينية، أو بالمال والصحة، وهي، في الغالب، شائعات قصيرة المدى نسبيا. كما أن الأسطورة تعتبر أقدم أشكال الإشاعات، فهي تقوم بوظيفة سد الفراغات المعرفية المختلفة في الأزمان القديمة، حين كانت المعارف بدائية، وإمكانية تحصيل المعلومات محدودة. وأضاف «أما الشكل الأكثر انتشارا للشائعة، فهو النكتة، وهناك من يعتبر «النكتة شائعة كاريكاتيرية»، فهي مثل الشائعة، تقوم على العناصر الأسطورية والتاريخية والعرقية والدينية والاجتماعية. وبالطبيعة الساخرة للنكتة، فإنها (أي الشائعة) تجتاز حواجز عقلانية ونفسية كثيرة، وتنتشر بسرعة أكبر، وتتخطّى عقبات كبيرة وتعوض ما يشوبها من متناقضات».
وذكر المجالي أن الشائعات وما اصطلح على تسميته ب «علم نفس الشائعة»، يشكل عصب صناعة الأوهام عند الجماعات والشعوب، وهو ما يقع في صلب اهتمامات السياسة والتجارة والاستراتيجيات، فالشائعات تنتشر أكثر في أوقات الأزمات، وفي مناخات الظروف الضاغطة أو المثيرة للقلق، كالحروب والكوارث والأزمات، الاقتصادية والشخصية والاجتماعية، وخصوصا إذا كان هناك غموض أو تعتيم إعلامي.
تأثير قوي
ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور خالد عمر الرديعان أن للشائعات تأثيرا قويا على نجوم الفن والرياضة والسياسيين، بحكم شهرتهم وتتبع الجماهير لأخبارهم مما يلغي الحياة الخاصة للنجم، فهو تحت المجهر كما يقال، مبينا أن من التأثيرات السلبية للشائعات خلق عداوات بين الفنانين وأصحاب المهنة الواحدة، لأنها أشبه بالغيبة والنميمة المنهي عنهما شرعا. كما أن الشائعة قد تتسبب بالطلاق وخراب البيوت، خاصة عندما يتعلق الأمر بشائعة زواج شخص معروف وارتباطه بامرأة أخرى غير زوجته الأولى، مما ينعكس سلبا على الاستقرار الأسري لهذا الشخص. وتكمن المشكلة أن بعض الشائعات قابلة للتصديق، خاصة عندما تبدو معقولة بعض الشيء؛ فزواج شخص ما ليس شيئا سلبيا، بحكم أن الزواج حلال وعمل مشروع، ولكن عندما يكون هذا الشخص متزوجا فإن هذا الخبر أو الشائعة قد تخلق له مشكلات مع المحيطين به.
وفيما إذا كان المجتمع السعودي تنتشر فيه الشائعات بكثرة بخلاف ما سواه، قال الرديعان «مجتمعنا مثل بقية المجتمعات التي تنتشر فيها الشائعات بصورة تجعل منها ظاهرة تستحق الدراسة».
وأضاف «لا علاج للشائعات إلا بالشفافية فهذا الأمر يقلص إلى حد كبير انتشار الشائعات، ولذلك لجأت بعض الجهات الحكومية إلى تعيين ناطق رسمي لها، كوزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم، حتى يقدم الحقائق للجمهور منعا للتخرصات وقطعا لدابر الشائعات، التي تخلق بلبلة في المجتمع، وأحيانا فرقة».
وأرجع أستاذ علم الاجتماع انتشار الشائعات إلى غياب المعلومة الصحيحة وتقاعس بعض الجهات الحكومية عند تقديم الحقائق للجمهور، كما أن غياب الشفافية يساعد كثيرا على تفشي الشائعات في المجتمع، إضافة إلى اعتماد كثير من الناس على أخبار الإنترنت وهي مصدر غير موثوق، وكذلك الاعتماد على رسائل الجوال والبلاك بيري، مضيفا «الجميع يعلم أن كثيرا من الأشخاص يكتبون في الإنترنت بأسماء مستعارة ويبثون أخبارا غير دقيقة وربما كاذبة، وذلك كبالون اختبار للضغط على الجهات الحكومية، ولكن حالما تم نفي الخبر تأكد للناس أن ما سمعوه لم يكن سوى شائعة.
وعن الفئات المتضررة من الشائعات، أكد الرديعان أن الجميع قد يتضرر من الشائعات كالأجهزة الحكومية التي تتوجه الشائعة صوبها، مضيفا «نحن نعلم أن البعض قد يطلقون شائعات حول وجود إجازة رسمية في بعض المناسبات أو تمديد الإجازة الرسمية، مما يجعل البعض يقوم بعمل حجوزات سفر أو عمل ترتيبات كتطويل الإقامة في بلد تم السفر إليه، مما ينتج عنه خسارة مالية في حال كانت الشائعة غير صحيحة، كما أن العلاقات الأسرية قد تتأثر سلبا في حال شائعات الزواج والطلاق، خاصة عندما تلصق الشائعة بنجوم معروفين في الفن والرياضة. وحقيقة فإن الشائعة قد تخلق عداوات بين أفراد المجتمع».
وذكر أن الذي يتحمل المسؤولية في انتشار الشائعات هي الأجهزة الحكومية، التي تمارس سياسة التكتم وعدم الإفصاح عن نشاطاتها وخططها. كما تتحمل وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة لأنها قد تنشر بعض الأخبار قبل التحقق من صدقها. كما أن بعض مستخدمي الإنترنت يتحملون مسؤولية أخلاقية ودينية عند ترويجهم لأخبار كاذبة ومن ضمنها الشائعات. وتبقى مسألة الشفافية وزيادة حرية التعبير والنشر من أهم وسائل منع الشائعات وتقليصها في المجتمع شريطة أن تكون حرية منضبطة ومسئولة.
كوارث اقتصادية
وللشائعات آثار سلبية كبيرة على كل المستويات ومن ذلك أنها تقود لكوارث اجتماعية واقتصادية كان أبرزها انهيار سوق الأسهم في العام 2006، الذي ألحق ضررا بالغا بثلاثة ملايين مواطن مع عائلاتهم. فقد حذر أكاديميون متخصصون في الاقتصاد من تفشي الشائعات في المجتمع، التي قد تمتد إلى الاقتصاد وتدمره، مشيرين إلى أن الشائعات السلبية كانت أحد أسباب الأزمات الاقتصادية العظيمة التي شهدها العالم، ابتداء من تلك التي وقعت في العام 1929، وأدخلت العالم بما سمي الكساد العظيم. كما أوضحوا أن من أسباب انتشار الشائعات المتعلقة بالاقتصاد في المجتمع السعودي، هو الرغبة في الثراء السريع، إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية لدى بعض فئات المجتمع.
وهنا يؤكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور وديع كابلي أن ظاهرة انتشار الشائعات في السعودية من الظواهر التي تستحق الدراسة من جوانبها كافة، موضحا أن انتشار الشائعات في أي مجتمع له سببان، أولهما ضعف المستوى التعليمي والثقافي لدى أفراد المجتمع، خصوصا أنهم يتلقون المعلومة ويرددونها من دون التفكير فيها أو تحليلها، والسبب الثاني هو غياب المعلومات الصحيحة والشفافية، وهو ما يساعد على انتشارها. ويشير إلى أن فترة الطفرة التي مر بها السعوديون في السبعينات نشرت مفهوما مفاده أن الربح وكسب المال ليسا بالعمل، فانقطعت العلاقة بين العمل كمصدر للرزق والثراء، وأصبح السائد أن المال يأتي بطرق الصدفة والهبة. ويشير أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة فيلالي إلى أن فترة الطفرة حقق فيها السعوديون أرباحا خيالية، ما عود الكثيرين على البحث عن مصادر الربح السريعة.
مرتبطة بالأزمات
وترى الكاتبة السعودية ناهد باشطح أن الشائعات مرتبطة بالأزمات والمواضيع الساخنة، التي تمس حياة المواطن وإلى الغموض أو إمكانية نشر المعلومات. وقالت «إن كثيرا من الأخبار تنتشر وفيها إساءة لسمعة إنسان أو هيئة أو بلد، والمشكلة في تعاملنا مع المعلومة على أنها صحيحة، وقد تبنى عليها أحكام وسلوكيات بينما هي غير صحيحة».
وأضافت «إذا تتبعت أي شائعة سوف تكتشف سذاجتها لو مررتها على العقل والمنطق، لافتة إلا أنه في علم الاتصال يوجد ما يسمى بالترشيح اللغوي وهو ما يعني أن انتقال الكلام من شخص إلى آخر لا يتم بشكل آلي بل يخضع إلى مشاعر وأفكار الأشخاص، مؤكدة أن الشائعات يمكن أن تدمر حياة مجتمعات كاملة، ولذلك لا بد من مكافحتها بكافة الطرق».
الكذب والمبالغة
الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن فوزان الفوزان، قال «إن الشائعات إما أن تكون موجهة ضد شخص، أو أسرة، أو جهة، أو مجتمع، أو أمة بأسرها. وقد تكون هذه الشائعات مختلقة مكذوبة، أو مبالغا فيها، بحيث تجعل من «الحبة قبة»، ومن الصغير كبيرا، ومن الحقير خطيرا، أو تكون صحيحة واقعية، لكن في نشرها وتداولها مفسدة وضررا، وإساءة وأذية، إما لصاحبها، أو لأسرته، أو للمجتمع المسلم بأكمله».
وأضاف«هذه الشائعات السيئة، كلها محرمة مذمومة، وصاحبها مذموم مأزور، غير مشكور ولا مأجور، لأنها إن كانت مكذوبة مزورة، فإن الكذب حرام مجمع على تحريمه، بل هو من أكبر الكبائر وأشد المفاسد، وهو آفة قاتلة، ما انتشرت في مجتمع إلا قوضت دعائم استقراره، وهدمت أركان أمنه، ونزعت الثقة بين أفراده، وليس من أخلاق الكرام، فضلا عن الملتزمين بالإسلام، بل هو أساس النفاق وعماده، وشعاره ودثاره»
وأبان الفوزان أن ناقل الكذب والمروج له، سواء علم أو شك أنه كذب، أو أذاعه من دون تثبت ولا تمحيص هو أحد الكاذبين، لأنه معين على الشر والعدوان، ناشر للإثم والظلم، مضيفا «إذا كان هذا هو الواجب في خبر المؤمن الفاسق، فكيف بخبر الكافر المحارب، أو المنافق الحاقد، أو الخبر الذي لا يعلم مصدره، ولا عدالة قائله أو ناشره، كالأخبار والقصص التي تنشر عبر رسائل الهاتف النقال، أو شريط الرسائل في القنوات الفضائية، أو في بعض المواقع في الشبكة العنكبوتية، والتي لا يدرى من وراؤها ولا أهداف القائمين عليها، ومدى إخلاصهم ونصحهم، وعدالتهم وصدقهم فليس كل ما يقال صحيحا».
وزاد «أما إن كانت الشائعة صحيحة واقعة، لكن في إذاعتها مفسدة وأذى، فإن ذلك محرم أيضا»، لافتا إلى أن من الشائعات الخطيرة التي تكثر أوقات الأزمات والفتن: شائعات الإرجاف والتخويف، التي يراد بها توهين عزائم المؤمنين، وتثبيط هممهم، والفت في أعضادهم، والإرجاف بهم، وبث الرعب في نفوسهم، وإضعاف قوتهم، والتشكيك في قدرتهم على المواجهة والمصابرة، وتعظيم قوة الأعداء في أعينهم، وتفخيم شأنهم، وتهويل قدراتهم، وأنه لا طاقة لهم بمحاربتهم، ولا قبل لهم بهم، وأنه لا سبيل لهم إلا مداهنة هؤلاء الأعداء، والركوع لهم، والسير في ركابهم، والسكوت عن ظلمهم وابتزازهم.
حروب معنوية
وعد الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام الشائعات من أخطر الحروب المعنوية، ودالأوبئة النفسية وأشد الأسلحة تدميرا وأعظمها وقعا وتأثيرا، مضيفا «ليس من المبالغة في شيء إذا عدت ظاهرة اجتماعية عالمية، لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية، والشائعات مبنية على سوء ظن بالمسلمين».
وأكد أن الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثير للاضطراب والفوضى في الأمة، وقد يكون أشد شرا من مروج المخدرات، فكلاهما يستهدف الإنسان، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى، كما أن مروج الشائعة لئيم الطبع، دنيء الهمة، مريض النفس، منحرف التفكير، صفيق الوجه، عديم المروءة، ضعيف الديانة، يتقاطر خسة ودناءة.
وأبان السديس أن الشائعات تتطور بتطور العصور، لافتا إلى أن العصر الحالي يمثل عصرا ذهبيا لرواج الشائعات المغرضة، بفعل تطور التقنية وكثرة وسائل الاتصالات.
وذكر إمام وخطيب المسجد الحرام أن الشائعات ألغام معنوية وقنابل نفسية، ورصاصات طائشة تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في غرضها ما لا يفعله العدو بمخابراته وطابوره الخامس، مركزة على شائعات الخوف والمرض، وإثارة القلق والرعب والحروب، وزرع بذور الفتنة وإثارة البلبلة بين الناس، لا سيما في أوقات الأزمات. وشدد على أن للشائعات آثارها السلبية على الرأي العام، وصناع القرار في العالم، وكانت سببا في أن يصرف الأعداء جبهة الأمة الداخلية عن مشكلاتها الحقيقية لإغراقها في مشكلات مفتعلة، علاوة على تمزيق الوحدة الإسلامية، والعمل على تفتيت الجبهة الداخلية. وأوضح أن واجب علماء الأمة ودعاتها، وطلاب العلم فيها وشبابها في ذلك كبير وعظيم في دحض الشائعات لأنهم مستهدفون، لافتا إلى أن عليهم أن يدركوا أبعاد المؤامرة، وأن لا يكونوا ميدانا خصبا لتواجدها، وانتشارها بينهم، وأن يحرصوا على التثبت والتبين.
منهج إسلامي
واستشهد المستشار في مكتب سمو وزير الداخلية الأكاديمي والإعلامي الدكتور سعود المصيبيح بالآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، مضيفا «إن من يتمعن في هذه الآية الكريمة يجد أنها تمثل منهجا إسلاميا أخلاقيا مهما جدا في تماسك المجتمعات وتركيز قيامها على الصدق والحقيقة والتثبت وقطع دابر الفاسقين المشائين بالنميمة الحاقدين والحريصين على تشويه سمعة الناس وإثارة الفتن والقلاقل وإشعال فتيل الحقد والبغضاء لتحقيق أهداف دنيئة خبيثة».
وأضاف «لا شك أن بلادنا المملكة العربية السعودية التي تحكم شرع الله وتخدم الحرمين الشريفين وتسعى لكل ما فيه الخير، وتنشر الدين القويم، حيث ملايين النسخ المترجمة سنويا من القرآن الكريم لكافة اللغات العالمية مع التفسير والتي تصل لكل بقاع المعمورة، وهناك المساجد والمعاهد والمراكز التي تعمل على نشر الدين الإسلامي وتوضح للعالم رسالته القيمة، ولهذا يأتي الحجاج والمعتمرون من كل فجِ عميق يؤدون مناسكهم بكل يسر وطمأنينة وراحة، وبالإضافة لذلك فهناك نهضة تنموية واقتصادية وعلمية وحضارية ومكانة سياسية، جعلتها من ضمن أكبر عشرين دولة اقتصادية في العالم مع 150 ألف مبتعث ومبتعثة يدرسون أدق التخصصات في أفضل الجامعات، في فرص متساوية حصل عليها أبناء الأسر السعودية بكل عدالة وشفافية».
وأبان المصيبيح أن أهم ما مكن من ذلك أمن قوي حازم، أسهم في أن تكون المملكة مركز استقطاب من الملايين للعيش فيه والنهل من خيراته بما يعود عليهم وأسرهم كوافدين بالخير الكثير، فنجد الحقد الدفين والرغبة في الإساءة عوامل تحرك الأعداء في إطلاق الشائعات والأقاويل بهدف إثارة البلبلة واستخدام الوسائل الإعلامية الحديثة من فضائيات ومواقع إنترنت وإعلام جديد كالفيس بوك والتويتر وأجهزة البلاك بيري الواسعة الانتشار، خاصة بين أبنائنا وبناتنا من فئة الشباب والمراهقين، لنشر الشائعة وترويجها، لخلق رأي عام حاقد، مستغلين جهل البعض وقلة درايتهم وثقافتهم فينشرونها ويصدقونها دون تثبت ودون الأخذ بالآية الكريمة في التبين والتأكد من المعلومة وأخذها من مصادرها الرسمية الموثوق بها، وهذا أمر جلل يمكن الأعداء من الإساءة للوطن وترويج الأكاذيب التي تؤثر في الرأي العام بشكل كبير وعميق.
وشدد على أن هذا الأمر يتطلب جدية وحزما وتخطيطا منظما ومعالجة واعية لمواجهته، ويشترك في ذلك المدرسة وأنشطتها، والمعلم وما يقدمه من حصص خلال اليوم الدراسي، وخطيب الجامع وإمام المسجد والداعية والعالم والمفكر والكاتب والباحث كل في مجاله، كما أن للإعلاميين أثرا بالغا في هذا الأمر، إذ عليهم التثبت قبل النشر وأخذ المعلومة من المتحدث الرسمي المفترض تواجده في كل جهة حكومية وعدم الاستعجال والحرص على الدقة والحقيقة دون مبالغة أو إثارة أو وضع عناوين لافتة غير دقيقة، وبطبيعة الحال فإن على الجهات المعنية بالحدث سرعة التجاوب وإيضاح الحقيقة للمتلقي.
وأشار المصيبيح إلى أنه «لنا في وزارة الداخلية أكبر وأنجح مثال خلال أزمة الإرهاب حيث السرعة والوضوح والمكاشفة والصراحة في البيانات والأخبار».
وخلص إلى القول «الإشاعة مرض خطير يتطلب الوقوف ضده بحزم ووضوح في الفكر والرأي، وبداية الحرب على الشائعة تجاهلها وعدم ترويجها وبثها، بل رفضها والاعتماد على المصادر الرسمية فقط».
ومن وجهة نظر قانونية يرى المستشار القانوني والمحامي يحيى الشهراني أن التعامل مع الشائعة تحقيقا ومحاكمة يختلف بحسب الوعاء الذي انتشرت من خلاله تلك الشائعة، فالشائعه المحرمة والمجرمة شرعا وقانونا مرتبطة بوقوع الضرر. فمتى كان نشر الشائعة عن طريق أوعية المعلومات الإلكترونية وسببت لأي شخص فردا كان أو جهة ضررا أو إساءة أو تشهيرا أو مساسا بالحياة الخاصة كان للمتضرر حق رفع الدعوى بمواجهة الناشر والمحرر وانعقد الاختصاص تحقيقا لهيئة التحقيق والادعاء العام ومحاكمة للمحكمة الجزئية، وكان نظام جرائم المعلومات هو المرجع لجهة التحقيق والقضاء، حيث تنحصر العقوبة بين الغرامة والسجن أو أحدهما وفق سلطة تقديرية تأخذ في الاعتبار حجم الضرر الذي تسببت فيه تلك الشائعة.
وأضاف، إن كانت الشائعة قد تم نشرها في وسائل الإعلام المقروء أو المسموع أو المرئي كان لمن تضرر منها رفع دعواه بمواجهة الناشر والمحرر أمام لجنة المطبوعات والنشر بوزارة الثقافة والإعلام وفقا لأحكام نظام المطبوعات والنشر وما ألحق به مؤخرا، حيث تنحصر العقوبة في إيقاع الغرامة المالية وفق سلطة تقديرية تأخذ في الاعتبار حجم الضرر الذي تسببت فيه تلك الشائعة، كما يختص ديوان المظالم في النظر في الطعون والتظلمات على ما يصدر عن تلك اللجنة من قرارات.. أما إن كانت الشائعة قد صدرت من فرد أو جماعة في مجلس عام أو خاص مما يتناقله الناس عادة في مجالسهم، كان للمتضرر من تلك الشائعة التقدم للمحكمة الجزئية بدعواه مباشرة بمواجهة من آثار تلك الشائعة وكان سببا في انتشارها وإلحاق الضرر بالمتضرر، حيث يجتهد القاضي في إيقاع العقوبة المناسبة التي يراها رادعة وجازرة للمتسبب في إذاعة تلك الشائعة، وللقاضي الإيعاز لهيئة التحقيق بالتحقيق في الوقائع التي يتطلب الأمر فيها تحقيقا قبل البت في نظرها والحكم فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.