كم كنت أتمنى لو كانت جدتي –يرحمها الله – على قيد الحياة هذه الأيام لكي تشهد معنا هذا الاهتمام الذي لم تكن توقعه يوماً من الأيام بصديقتها الغالية "ماكينة الخياطة ماركة أبو أسد". فكم من السنوات جمعت بين هاتين الصديقتين. وكنت حينها صغيراً وأرى حميمية هذه العلاقة . ولكن شاءت قدرة الله أن تتوفى جدتي تاركة خلفها صديقتها الغالية التي انتقلت إلى طي النسيان. ولم تكن جدتي تتوقع في أي يوم من الأيام أن سعر هذه الصديقة الغالية سيصل الى هذا المستوى الخيالي. حيث تجنى الناس على هذه المكينة الغالية التي قدمت لهم الكثير من الخدمات وكانوا عوناً للتقنية عليها مما أفقدها الكثير من أهميتها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما السبب وراء اهتمام الناس في هذا الوقت بهذه المكينة المسكينة التي أكل عليها الدهر وشرب؟ إن السبب يكمن في الإشاعة وقانا الله وإياكم شرها. حيث سرت شائعة في المملكة بأن هذا النوع من مكائن الخياطة تحتوي على إحدى المواد المستخدمة في الانشطار النووي وصناعة الأسلحة النووية. آلا وهي مادة الزئبق الأحمر تلك المادة المشعة غالية الثمن. وهناك من يزعم بأن لهذه المادة نوعاً روحانياً يستخدم في الحصول على الكنوز بعد تحضير الجن. ومن هذا المنطلق تهافت الكثير من الناس على الحصول على هذه المكينة ودفعوا فيها عشرات الالاف على الرغم من ان قيمتها العادلة أقل من ذلك بكثير، هذا ان كان لها اليوم قيمة أصلاً. والأمر الخطير هنا هو ذلك التهافت المحموم الذي جعل الكثير من المتهافتين يغيبون عقولهم لهذه الدرجة. انه خطر ، أو فلنسميه سحر، الإشاعة. حيث تستطيع الإشاعة التأثير السحري على عقول الكثير الذين يتلقونها كمسلمة دون أدنى درجة من التفكير. وعليه تعتبر الشائعة أحد أهم الأسلحة الفتاكة التي تدمر المجتمعات سواء على مستوى الفرد أو مستوى المجتمع الوطني ككل. بل أن الإشاعة تعتبر من أخطر الأسلحة التي تستخدم في الحروب . ومع ان الإشاعة تنشط في الأوساط الفقيرة والأقل ثقافة إلا أن أثرها يتجاوز هذه الأوساط بكثير. ومن هنا يجب على الناس الحذر من هذه الشائعات أو الترويج لها . ومن أخطر أنواع الشائعات تلك التي تسبب العداوة بين أناس أو تلك التي تهدد أمن البلد بصفة مباشرة. حيث يجب أن يكون منهجنا عند سماعنا لأي خبر قول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . فالإسلام يطالبنا بالتبين وهو التأكد وإعمال العقل. وعليه فان من أهم جوانب الأمن الفكري المجتمعي هو الحصانة ضد هذه الشائعات. ومما يقوي هذه الحصانة هو أخذ المعلومات عن هذه الشائعات من الجهات الأمنية. ولقد وفقت وزارة الداخلية وهي الجهة المناط بها أمن هذا الوطن الداخلي في تعاملها مع هذه الإشاعة حين قامت بتكذيبها. فالناس بحاجة إلى مرجعية في أمنهم أسوة بالمرجعية في دينهم واقتصادهم ...الخ [email protected]