رغم الآمال الكبيرة التى تم تعليقها على نظام الرهن العقاري لحل أزمة تمويل شراء المساكن، إلا أن الولادة المتعسرة لهذا النظام منذ 3 أعوام عصفت بالكثير من الأحلام التى داعبت الكثيرين بالحصول على مسكن مناسب بفوائد مالية يمكن تحملها. ويتطلع الكثيرون إلى أن يكون هذا النظام هو البديل المثالي لإشكاليات التمويل الراهنة في ظل إحجام البنوك عن التمويل لارتفاع معدل خطورة عدم السداد، وكذلك صعوبات الحصول على قروض صندوق التنمية العقاري التى ارتفعت طوابير الانتظار لديه إلى أكثر من مليوني متقدم، مقابل 600 ألف فقط قبل العمل بنظام التقديم على القرض بدون أرض. وكانت الآمال قد انتعشت قبل 3 أعوام بموافقة مجلس الشورى على نظام الرهن والتمويل العقاري، إلا أنها عادت للتراجع بعد قرار إعادة النظام لدراسته من جديد بالمجلس لوجود ثغرات فيه تتعلق بمصير العقار في حالة عدم الالتزام بالسداد، وكيفية وضع اليد عليه وغيرها من الأمور التى اعتبرت كافية لإخضاعه لمزيد من الدراسة بما يضمن حقوق جميع الأطراف. وشهدت الأسعار في الفترة الاخيرة ارتفاعات كبيرة حيث وصل سعر الفيلا في المدن الجديدة أكثر من مليون ريال والشقق بين 400 650 الف ريال، وهو ما يفوق قدرة الكثيرين الذين تراوح رواتبهم بين 4 6 آلاف ريال. وفيما يشير البعض الى ان النوايا الصادقة لجميع الاطراف يمكن ان تكون حجر الزاوية لحل المشكلة خاصة في ظل توفر الاراضى، يرى آخرون ان الازمة مرشحة للتصاعد لوجود أياد خفية تلعب في هذا الملف ويهمها استمرار الازمة على ما هي عليه الان. يقول المواطنون علي حسن وأحمد الغامدي وسعد العبدالله: اسعار العقارات شهدت موجة من الارتفاعات غير المبررة في الآونة الاخيرة، فيما كنا نتطلع الى ان تشهد انخفاضا بنسبة 20% بعد ما تم اعلانه من خطوات لإحداث توازن في السوق منذ شهر مارس الماضي، ولكن تسربت الآمال نتيجة غياب الحماس لتنظيم السوق بما يضمن حقوق جميع الاطراف. ورأوا انهم وجدوا صعوبة في الحصول على تمويل مناسب لشراء مساكن بدلا من الاستمرار في دفع ايجارات ترهق كاهلهم شهريا، مشيرين الى ان البنوك وشركات التمويل احجمت عن تمويلهم لضعف رواتبهم وكذلك عدم وجود ضمانات كافية لديهم. وطالبوا البنوك بخفض معدل الفائدة التراكمية التى تحولت الى حمل يثقل كاهل المقترضين، مشيرين في الوقت ذاته الى ان غالبية الشقق السكنية المعروضة للتمليك لا تتمتع بالجودة المطلوبة في التشطيب مما يزيد من اعباء الصيانة السنوية. النظام يتعثر ويقول العقاري عبدالرحمن الحلواني: أدى الحديث الذى تواتر في السنوات الاخيرة عن قرب اقرار نظام الرهن والتمويل العقاري لشراء المساكن الى حالة من الانتعاش بإمكانية الحصول على المسكن بكلفة اقل حيث بموجب هذا النظام يظل الممول مالكا للعقار لحين انتهاء المشتري من سداد الاقساط، لكن سرعان ما خفت الحديث عن النظام المقترح بدعوى عدم تحقيقه التوازن المطلوب بين حقوق مختلف الاطراف، ويبدو انه دخل الثلاجة الى اجل غير مسمى. وأشار الى ان الرهن العقاري يعد توثيقا للديون المترتبة على الاخرين مقابل المسكن المشترى، ولا يعد بديلا عن الدين، انطلاقا من القاعدة الشرعية التى تقول «الشيء الذى جاز بيعه، جاز رهنه». وأعرب عن امله في سرعة العمل بهذا النظام من اجل سد العجز الذى تعاني منه المملكة حاليا ويصل الى مليون وحدة سكنية في ظل احتياج سنوى يزيد ايضا على 100 الف، مشيرا الى ان المشكلة الاسكانية هى نتاج خطوات تنظيمية وتشريعية لم تواكب مستجدات السوق العقارية لعدة سنوات. لكنه عاد الى القول إن تعليق المشكلة بالكامل على الرهن العقاري يجانب الصواب لأن التمويل العقاري قائم في البنوك منذ سنوات ويجرى العمل به في اطار سياسة تحفظية للبنوك لضمان حقوقها خاصة أنه يستمر لسنوات طويلة، وقد يموت خلالها المشتري وبالتالى يضطر البنك الى بيع العقار لضمان حقوقه اذا لم يكن الورثة على وفاق. ويشير في هذا الاطار الى ان الزبائن المفضلين للبنوك هم الذين تزيد رواتبهم على 10 آلاف ريال اما اصحاب الدخل المتوسط والمحدود فيجدون صعوبة في ذلك، مشيرا الى ان النمو السكاني المرتفع والعدد الكبير للشباب في سن الزواج يمثل حالة من الضغط على مشاريع الاسكان والبنية التحتية بشكل ملحوظ. كما تبرز المشكلة بصورة اكبر نتيجة تراجع اعداد ملاك المساكن في المملكة الى اقل من 40% مقابل 60% قبل سنوات قليلة. التخلف عن السداد وشاركنا الرأى حازم العلوي مشيرا إلى ان ابرز النقاط الخلافية في نظام التمويل العقاري حتى الآن تتعلق بضوابط التحرك في حالة تخلف المقترضين عن السداد وهل يلجأ الممول الى بيع العقار مباشرة ام ينتظر لاصدار حكم قضائي مكتسب القطعية فى فترة طويلة. وأشار الى ان البنوك والشركات المتوقع ان تدخل مجال التمويل لن ترضى بالانتظار لسنوات طويلة من التقاضى حتى تصدر الاحكام، وستركز على ان يكون من حقها وضع يدها على العقار لبيعه والحصول على حقها سريعا. وأشار الى ان مشكلة التمويل باتت تمثل حالة مزمنة في ظل تقديرات شبه رسمية تقول إن تمويلات البنوك للسوق العقاري لا تزيد على 3 في المائة فيما لاتزيد نسبة اسهام صندوق التنمية العقاري في التمويل على 8 في المائة خلال عام 2009 م. ولا تزيد نسبة الرهن العقاري في المملكة على 1%مقابل 50 في المائة في الدول الغربية مقابل حوالى 10في المائة في بعض الدول الخليجية. وأرجع محدودية المطروح من الوحدات السكنية الى انحراف شركات التطوير العقاري عن القيام بدورها، مشيرا الى انه في الوقت الذى كان الجميع يعول على طرح هذه الشركات وحدات سكنية بأسعار معقولة اعتمادا على قدراتها وإمكاناتها في خفض التكاليف مع تقديم منتج جديد فوجئنا بها تركز اعمالها على بيع الاراضى فقط بعد تطويرها، كما ادى الى تفاقم الازمة ايضا زيادة الطلب على المساكن دون ان يواكب ذلك وفرة في المعروض، وقلة اعمال التطوير في المخططات بل تعثرها نتيجة عدم تعاون الجهات الحكومية. ويعاني السوق ايضا من عقبات مختلفة تؤدى الى شح التمويل في ظل سيطرة الهوامير على مساحات كبيرة من الاراضى الجيدة. وعاد ليلفت الانظار الى عدد من العوامل التى قد تؤدى الى نجاح الرهن العقاري في حال تطبيقه ومنها عدم المبالغة في الاسعار واعتماد القيمة الحقيقية للعقار وكذلك عدم تطويل فترة السداد اكثر من اللازم لتجنب خلافات الورثة ووضع اليد على العقار في حالات وفاة المشتري، بالاضافة الى مراعاة الوضع المعيشي للمواطنين ودراسة شرائح الرواتب وتكاليف المعيشة بصورة جيدة. جشع الملاك وتهاون الوزارة وتوقع فارس الفاضلي ان يسهم تطبيق الرهن العقاري في تيسير عملية تمويل المساكن والحد من ارتفاع الاسعار، مشيرا إلى أن وضع الضوابط اللازمة سيؤدى الى انطلاق عشرات الشركات المتخصصة في مجال التمويل العقاري بعد تحديد الآلية اللازمة التى تضمن حقوقها بعد التمويل من وجهة نظر شرعية وتنظيمية. ورأى ان سوق العقار وصل الى حالة من التضخم والارتفاع في الاسعار باتت تستدعى تدخلا عاجلا من جانب الجهات الرسمية لأن الايقاع الراهن يؤدى الى تعقيد المشكلة اجتماعيا واقتصاديا. وأضاف ان المملكة تضم مساحات هائلة من الاراضى التى يمكن استخدامها فى البناء مما يوفر 50% في المائة على الاقل من كلفة الوحدة السكنية على الاقل، كما ان التمويل الحكومي متوفر وفقا لما تم الاعلان عنه مؤخرا، ولكن يبدو ان بعض اصحاب المصالح من المتاجرين بالاراضى لا تسعدهم هذه الحلول التى تصب في صالح البسطاء بالدرجة الاولى، وبالتالي يعملون في اطار تكتلات حتى لا ترى هذه المشاريع النور.