لم تعد جلسات الأصحاب ممتعة ومسلية كما كانت في الماضي حين كنت تنسى همومك وتسلى عن أحزانك حال وصولك إلى مجالسهم واستراحاتهم، يتداولون الآراء والأفكار، يتناقشون ويتجادلون ويشاهدون المباريات والأفلام سويا ثم يستغرقون بعد انتهائها بالتحليل والجدال، يتبادلون النكات والمقالب ويلعبون الورق فيمضي الوقت سريعا بين غالب ومغلوب، هكذا كانت حالنا حتى اقتحم حياتنا ما يسمى بالهواتف الذكية فسرقت منا أصحابنا وشغلتهم بملهياتها وتسهيلاتها التي لا تنتهي، كانت في البداية ترفا زائدا لا ضرورة له لكن نوازع الفضول وحب التميز وتقليد الآخرين دفعت ببعضنا لاقتنائها ثم ما لبث الباقون أن تقاطروا واحدا تلو الآخر مفتونين باستغراق مقتنييها الأوائل في تأمل عجائبها لساعات طوال، صار للأغلبية هواتفهم الذكية وأوصلوا خدمات الإنترنت إلى المجالس والمقاهي وأماكن التجمعات فما إن يصل أحدهم حتى يبادر إلى فتح جهاز هاتفه ويستغرق في تقليب مواقعه، يضحك تارة ويسخط تارة ويتحدث لوحده تارة أخرى، يواصل أصدقاءه الافتراضيين في أقاصي الأرض فينسجم معهم كأنما هم أقرب منا أو يلعب معهم إحدى ألعاب العصر بينما يذهل عن أصحابه الجالسين وقد ينسى مجرد وجودهم، تغير سلوكنا اليومي وعاداتنا الاجتماعية فأصبحنا نعتمد رسائل الهاتف الذكي المتطورة لدعوات الحفلات والأعراس وللمعايدات ولمجاملات الأصدقاء وربما حتى لصلة الأرحام لمن ما زال يصل الأرحام، تشعر بالضيق وبالوحدة بين أصحابك حين لا يشاركك الحديث أحد ممن لا يستهويهم هذا الوافد الجديد سوى من تأتي به الصدفة من أمثالك، وقليل ما هم، يعتريك الضجر فتنسحب إلى البيت عسى أن تحظى بسهرة رومانسية مع زوجتك وتضمر في نفسك أن توهمها بأنك تركت جلسة الأصحاب من أجلها لكنك تفاجأ بانشغالها هي الأخرى بأحاديث عائلية مع والدتها وأخواتها وصديقاتها في مدن متباعدة يستعرضن فنون الطبخ وجديد الموضات ويتراسلن غريب المقاطع عبر (الواتس آب) تحاول أن تقاطع حديثها وأن تتقرب منها لكنها منشغلة وقد لا تجيبك إلا بعد إلحاح وعيناها معلقتان على شاشة هاتفها، تقتنع أخيرا بالبحث عن فيلم يسلي وحدتك فتضيع في كم القنوات الهائل لكنك لا تجد ما يغري بالمتابعة وعناء السهر، يغلبك النعاس فتقوم متثاقلا تسحب قدميك إلى فراشك وتقرر أن تذهب باكرا لتشتري هاتفك الذكي وتنشغل مع الآخرين. [email protected]