كان أسبوعا كارثيا بحق، فقد فيه الوطن ما لا يقل عن سبع عشرة زهرة في عمر تبرعمهن في حوادث من صنع البشر لا الطبيعة، ورغم إيماننا العميق بأن هذه وتلك لا تتم إلا بإرادة الله ومشيئته، إلا أن هذا لا يلغي مسؤولية الناس عما يحدث من كوارث، وقد كتبت لحظة وقوع حادثة «براعم الوطن» بأن إداراتنا تجهل تماما أو هي تتجاهل مسألة إدارة الكوارث في حساباتها، ولذا تجدها تتفاجأ لحظة الحدث الذي لم تعد له العدة وتتصرف بعشوائية مرتبكة فتزيد طين الكارثة بلة. وحين تقرأ في الصحف شهادات الشهود على الحوادث يخطر بذهنك مباشرة أن ردة فعل الأهالي العفوية غالبا ما تكون أكثر فعالية ونفعا وجدوى من الجهات الرسمية المناط بها التعامل مع هذه الحوادث.. وقد أوردت «عكاظ» في عددها الصادر يوم الاثنين بتاريخ 25/12/32ه رواية واحدة من أمهات التلميذات، قالت أم محمد العمودي من السكان المجاورين للمدرسة «سمعت صوت انفجار قوي من الخارج، فخرجت لاستطلاع الأمر، فشاهدت الدخان متصاعدا من المدرسة بشكل كثيف، فتوجهت على الفور إلى شقيق ابنتي التي تدرس في المدرسة نفسها، وطلبت منه على الفور إحضارها، فذهب إلى المدرسة، ولم يجد أحدا من الحراس فدفع الباب وأتاح الفرصة لبعضهن من المرحلة التمهيدية للخروج وكن داخل الساحة، وفي هذه الأثناء حضر الحارس الذي قدم الدعم وأخرج الطالبات من المدرسة». وفي هذا المشهد يلفت نظرك أولا عدم وجود مخرج طوارئ، كما يلفت نظرك الحارس الذي يأتي بعد قريب الطفلة الذي جاء هرولة للمدرسة من المنزل ووصل قبل الحارس ليفتح الباب للطالبات، ولا نظن أن منزله في المدرسة ليسبق الحارس، ويلفت نظرك ثالثا أن الباب كان مغلقا بإحكام عجزت المعلمات والطالبات عن فتحه ليهربن، كما تلفت نظرك رابعا شهادة المواطن أحمد المولد أحد سكان الحي، الذي أكد للصحيفة بأنه «حضر الحادثة المؤلمة منذ بدايتها إلى نهايتها، مؤكدا أن سيارات الدفاع المدني حضرت متأخرة إلى موقع الحدث وليس لديها سلالم للإنقاذ، وحتى كاشفات الإنارة استعارتها من الجمهور، وبعد تجمهر الحضور تعطل دخول بقية سيارات الإسعاف، وأضاف المولد: ساعد الكثير من المتطوعين في إنقاذ عدد من الطالبات من داخل المدرسة التي توجد فيها أربع مراحل دراسية، لافتا إلى أن ثماني طالبات قذفن بأنفسهن من الدور الثالث»، كما ورد في الصحيفة حرفيا. والأمر ذاته بالنسبة للحادث الذي أوردته الصحيفة في عددها نفسه وراح ضحيته إحدى عشرة طالبة جامعية في حايل ولم تنج منهن سوى واحدة، حيث تحدث الناس عن بطء إجراءات إسعافهن، ومعلوم للجميع أن الدقيقة من الزمن في مثل هذه الحوادث تحدث فرقا كبيرا يكفي لنجاة أو وفاة المصاب.. إذن هناك حالة عامة من الغياب للفكر الكوارثي، وهناك ترهل في الأجهزة والمؤسسات يثقل حركيتها عن الاستجابة بالسرعة المطلوبة في الوقت الملائم، ولكن أغرب من كل ذلك تعاملنا مع ما نعده ونقوم بتجهيزه من تحوطات السلامة في منشآتنا، وخير شاهد على ذلك مخرج الطوارئ ، فلا يسعك الشك في أن مبنى المدرسة كانت فيه مخارج طوارئ ولكن أين هي وماذا أفادت؟، وعن معرفة يقينية أقول بأنها مجرد ديكورات أو زوائد لا قيمة عملية لها في بناياتنا، وحتى في الجامعة يوجد مخرج طوارئ ولكنه محكم الإغلاق منذ عقود ولا أحد يعرف لمفتاحه مكانا، فهو من الناحية العملية ليس مخرجا، ويوم نحتاج إليه لا قدر الله، وفي حال تزاحمنا عليه لن يكون مخرجا ولكنه سيكون لنا مصيدة. نعم هي مخارج ولكنها قاتلة.. فاعجب يا رعاك الله !!!. * أكاديمي وكاتب سعودي. www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة