غدا يوم الحج الأكبر، حيث يجتمع حجاج بيت الله على صعيد عرفات، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، أبيضهم وأسودهم. كلهم سواسية،لا فرق بين أحد منهم إلا بالتقوى،تحيطهم عناية الله، وترعاهم أيدٍ أمينة نذرت نفسها لخدمة ضيوف الرحمن، وحماية مقدساته. عيون ساهرة، وجهود متواصلة لا تكل ولا تمل، تعمل بإخلاص لتوفير أقصى درجات الراحة، والأمن والأمان لقاصدي المشاعر المقدسة في البيت الحرام، ومنى، وعرفات، ومزدلفة، والمسجد النبوي الشريف، ممن لبوا نداء الرحمن، فجاؤوا رجالا، وعلى كل ضامر أتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا الله في أيام معدودات. وهو اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه الميثاق على ذرية آدم عليه السلام، وأقسم به عز وجل لمنزلته الكبيرة بين سائر أيام السنة، ويوم المغفرة والرحمة، وإقالة العثرات، والعتق من النيران، وإكمال الدين، وإتمام النعمة. ومن أجل ذلك فإن صيامه لغير الحجاج يكفر سنتين، سنة قبله، وسنة بعده، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي يوم عرفة يباهي الله عز وجل ملائكته بالحجاج ويقول عز وجل: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا، يخافون عقابي ويرجون رحمتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم، كما جاء في الحديث القدسي. وحين ينشغل الحجاج بأداء مناسكهم، يشاركهم بقية المسلمين ممن لم يتمكنوا من القيام بالحج في أشكال مختلفة من العبادات لا تجتمع معا إلا في أيام عشر ذي الحجة، كالصلاة، والصوم، والأضحية، ما يجعل منها مناسبة عظيمة لا تتكرر إلا في هذا الوقت من العام. وتتسابق وسائل الإعلام العالمية على اختلاف مشاربها لنقل فعاليات الحج، وخاصة يوم الوقوف بعرفة، حيث تتجلى عظمة الإسلام، ووحدة المسلمين في هذا اليوم، وتبث للعالم أجمع صورا، ولقاءات معبرة، ومشاعر إيمانية صادقة ومؤثرة تغني عن آلاف الخطب والمواعظ، ما أسهم بدخول كثيرين في الإسلام عن قناعة تامة، وقد يكون ذلك لمجرد سماعهم للأذان، أو مشاهدتهم لجموع المصلين والحجيج في لباس واحد، وصفوف متراصة، يؤدون فرائضهم بكل راحة وطمأنينة، في ترتيب وتنظيم وانسيابية لا تتوفر في غيره من المناسبات.. ومواكبة لهذه المناسبة العظيمة؛ تتكاتف أجهزة الدولة لتوفير الأمن، والراحة والطمأنينة لحجاج بيت الله، ومساعدتهم لأداء مناسكهم بيسر وسهولة، وهو ما يتطلب مساندة المواطنين والمقيمين، والحجاج أنفسهم، وتفاعلهم مع هذه الجهود بشكل يسهم في ترسيخ انطباعات إيجابية بأذهان الجميع، لا يمكن أن تزول مهما طال الزمن، وذلك من منطلق أن موسم الحج للعبادة فقط، لا مكان فيه لأية توجهات، أو شعارات سياسية، أو ايديولوجية. • كلمة أخيرة: قال تعالى : «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات،13). * جامعة الملك سعود كلية التربية [email protected]