بعد مسيرة حافلة بالعطاء رحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، تاركا خلفه تركة كبيرة وواسعة من العمل الخيري والإنساني والاجتماعي والبيئي داخل المملكة وخارجها، ستبقى خالدة في صفحات التاريخ الإنساني. لقد خسرت المملكة بغيابه ركنا من أركانها الذين عملوا على نهضتها وتقدمها وتطورها، وخسر المواطن السعودي راعيا من رعاته المخلصين الذين سهروا طوال حياتهم، على توفير كل ما يؤمن له الرفعة والتقدم والهناء، وفقدت الأمة العربية والإسلامية رجلا من أعز رجالها البارزين والذي كانت له اليد الطولي في الدفاع عن حقوق العرب في شتى المحافل الدولية والإقليمية. لقد أقام الفقيد رحمه الله تعالى مؤسسة للخير تحمل اسمه تمثل معلما من معالم الخير ليس في المملكة وحدها، بل في العالم أجمع وهي مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، أنشأها وأنفق عليها رحمه الله منذ العام 1416ه 1995م لتقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والتأهيل الشامل لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، كما أن لها أنشطة بارزة في دعم الأبحاث في مجال الخدمات الإنسانية والطبية والعلوم التقنية. وتسعى المؤسسة لتحقيق أهدافها من خلال عدد من المشروعات والنشاطات على أن هذه المؤسسة لم يقتصر دورها على تقديم الخدمات الإنسانية في الداخل، بل تعدتها لخارج المملكة لدى الشعوب الفقيرة والمعوزة، فكانت لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة المنبثقة من المؤسسة الخيرية لتقديم الخدمات الإنسانية والإغاثات الطارئة، وبدأت في دولة النيجر عام 1998م بتوجيه من سموه الكريم باسم اللجنة الخاصة للإغاثة في النيجر، ثم ضمت إليها جمهورية مالي عام 1419ه الموافق 1999م، وفي عام 1421ه 2000م امتد عملها لتشاد وأثيوبيا وملاوي وجيبوتي ودول أخرى، وكانت اللجنة تقوم بتسيير القوافل الإغاثية والطبية العامة لمكافحة الأمراض الشائعة، كالملاريا والعمى، كما أقامت العديد من المشروعات التنموية والاجتماعية والصحية؛ كحفر الآبار وبناء المدارس والمكتبات العامة والمساجد والمستشفيات ومراكز غسل. ومن الجهود التي سوف يسطرها له التاريخ قيامه بالانتصار للثقافة والفكر العربي من خلال تبنيه لمشروع الموسوعة العربية العالمية، والذي أصبح حقيقة ملموسة، فقد طبع في ثلاثين مجلدا، وأكثر من سبعة عشر ألف صفحة من المعرفة الموثوقة والمدققة. إن الذاكرة والقلب تحمل صورا للعديد من المواقف النبيلة لسلطان الخير عايشتها وشهدتها بنفسي كما شهدها غيري الكثير، وليت المقام يطول؛ لأتكلم ولو عن جزء منها، ولكن لعل ذلك يتاح لي في فرصة أخرى، فهول الصدمة يلجم اللسان ويدمي القلب ولا أملك في النهاية إلا أن أقول رحل سلطان وبقيت مآثره، هكذا العظماء يذهبون وتبقى سيرهم العطرة، فتجدهم كنهر عطاء يستقي الجميع من مائه العذب. سلطان الخير لم نره إلا متبسما بالرغم من جور الألم يحمل نفسه أكبر من طاقتها في سبيل قضاء حوائج الناس، رحلت يا سلطان وبقي حبك في القلوب منقوشا رحلت ولن ينساك اليتيم حينما مسحت على رأسه والمعوق حينما وفرت له حياة كريمة والأرامل والمطلقات كنت السند والعون لهن من جور الزمان، عطاء في السر أكثر مما هو في العلن، ليس لي كلمة بعد قضاء الله وقدره إلا أن أقول رحم الله سلطان بن عبد العزيز وجعل الجنة مسكنه ومثواه. د. توفيق بن عبد العزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد