يمسك النظام السوري بكل مقاليد الأمور ويحكم بقبضته الحديدية منذ ما يقارب نصف قرن، يدعي أنه ربى الأجيال على يديه وصاغ فكر وضمير المجتمع كما يشتهي، علم شعبه كيف يأكل وكيف يلبس وكيف يفكر وكيف يرى ويفهم الأحداث والوقائع، علمه من يحب ولمن يمنح الولاء وجادل بأنه قد صنع انسجاما وتناغما فريدا بين أطياف المجتمع بعدما جمعه على عقيدة سياسية واقتصادية واجتماعية واحدة وأسرف في الشعارات البراقة لعلها أن ترقع ما يشعر به من فراغ المضمون وزيف الحجة، فاخر في المحافل والمجتمعات الدولية بإنجازات لم يحقق منها سوى الوهم وأمعن في الادعاء لكنه وعند أول اختبار أخرج من خلف ظهره عصا غليظة أخفاها عن أنظار العالم دلت على زيف دعواه فهو لم يكن يحب شعبه ولم يثق به للحظة ويعلم تماما أن الشعب لا يحبه ولم يثق به كذلك إنما كان مضطرا لمسايرته ومنافقته تحت تهديد القمع وقهر المعتقلات وتزييف الحقائق، كانت المساومة على لقمة العيش أو على دخول الجامعة أو الحصول على العلاج وسيلة فعالة لضمان سير القطيع دون ضوضاء، كيف لحكومة تملك جهاز شرطتها المدنية وأجهزة أمنها المتعددة أن تعمد إلى تشكيل ميليشيات مسلحة من العصابات تجوب الشوارع بحماية الجيش الذي يقتل بعضه وتقتحم البيوت فتنتهك الأعراض وتسفك الدماء وتعربد فوق جثث الأطفال في مناظر أحرجت ضمير العالم وإن بدا غير مكترث. مجموعات من قطاع الطرق وعمال الموانئ غير الشرعية وشذاذ الآفاق وأرباب السوابق واللواحق كما تصفهم الأخبار تسير جنبا إلى جنب مع رجال الجيش والأمن تفضحها الصور التي تهربها الكاميرات من كل مدينة وقرية، فلم يعد بإمكان الأنظمة المستبدة طمس الحقائق أو تغييبها في عصر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة وما وفرته من إمكانات نقل الحدث على الهواء إلى الفضائيات العالمية لينكشف الزيف ولتتجلى الحقائق، بعض النظم السلطوية مازالت تعيش في الماضي وتفكر في الماضي، تكذب الحقائق الدامغة بأدوات بالية وبأساليب بائسة لا تستحق سوى الازدراء وستجد نفسها عاجلا أم آجلا أمام فوهات البنادق أو خلف قضبان السجون تدفع ثمن الدماء التي سفكتها، الشعب مثل البحر ليس بإمكانك حين يغضب وتتلاطم أمواجه سوى أن تلملم متاعك وترحل إن أمكنك الرحيل. [email protected]