لم تعد مهمة الإعلام مقصورة على نقل الحدث وتحليل الصورة أو الترويج لأجندات مموليه بعدما تمددت أذرعه وتغلغل نفوذه حتى أصبح مقيماً في مخادع صنع القرار، وصار أرباب السياسة والاقتصاد يخشون سطوة أقلامه وكاميراته التي تترصد هفواتهم فيحسبون له كل حساب ويسعون للتحالف معه بل ويتآمر بعضهم مع وسائل الإعلام إما لاختبار رد فعل الشارع على ما يزمعون اتخاذه من قرارات لا يثقون بنتائجها، أو بردود الأفعال تجاهها، وذلك بتسريب الأخبار أو إطلاق الشائعات، وإما لإحداث أكبر قدر من الضوضاء حول شخصية أو حدث ما كنوع من الدعاية ولفت الانتباه، أو بتلميع الشخصيات وتقديمها للجمهور بأقنعة براقة لا تعكس حقيقة أمرها حتى تفجرت ثورة ما سمي بالإعلام الحديث بأشكاله المتعددة، فراحت تقضم من حصة أباطرة الإعلام التقليديين وتحد من مستوى نفوذهم وتأثيرهم في صياغة الثقافات الاجتماعية وتوجيه الرأي العالم بسرعة هائلة وتزيد في مقابل ذلك من المشاركة الشعبية في رسم الأحداث وتوجيه مساراتها بنقل الوقائع حال حدوثها ورصد الأفعال وردودها بين صانع القرار ومتلقيه، وبتصوير الأحداث من زواياها المختلفة، ونقلها بكاميرات المعنيين بأمرها، ما يُحدث زخماً تتوالى معه ردود الأفعال في عملية تسلسلية متعاظمة باستمرار، ولا يخفى على المراقب هذا التكامل التلقائي بين دور القنوات الفضائية وأنظمة الاتصالات المتطورة والقادرة على العمل في كل البيئات ونقل الصوت والصورة وبرامج التواصل الاجتماعي شاسعة الانتشار في نقل الحدث حياً على الهواء ورصد ردود الأفعال حياله بطريقة لا يملك معها أي إعلام رسمي سوى أن يقف عاجزاً متفرجاً على هذا الزخم المتسارع من الأحداث، هكذا وجد رجل الشارع نفسه جزءًا من الحدث أحياناً وصانعاً له أحياناً أخرى. وهكذا تفاجأت الأنظمة التعسفية في بعض البلاد بتسرب مشاهد القمع والتنكيل وبتكشف الحقائق التي ما فتئت تواريها بطرق متعددة ومن زوايا مختلفة يصعب معها الإنكار أو التبرير، خصوصاً بعدما تتلقفها المحطات الفضائية فتعيد تنسيقها ونشرها عبر العالم، وهكذا يتعاظم الفعل ورد الفعل وتتحول الاحتجاجات المحدودة إلى ثورات شاملة تتلاطم أمواجها، وهكذا لم تجد منظومات الاقتصاد وأسواق المال فرصة لالتقاط أنفاسها في ظل النقل الحي لتقارير الاقتصاد المتلاحقة وحركة الأسواق وما يحدثه ذلك من تفاعل سريع تنفلت معه أزمة الأمور فتنهار أسواق وتنتعش أخرى كل يوم أو كل ساعة. [email protected]