تكاد رياح التغيير أن تعصف بنظام الحكم في سورية وتقتلعه من جذوره فتذروه أدراج الرياح فقد راحت أغصانه تتطاير أمام تيارات الثورة المتصاعدة يمدها غضب الجماهير الهادرة، لم تهدأ صرخات حمص ولم تندمل جراح حماة ولم يتجاوز الزمان حزنها ولم يسكن بعد أنين المعذبين في غياهب السجون ولم تجف دموع الأرامل والثكالى، كل ذلك يرفد الثورة بزخم متجدد لا حدود له، وهكذا يقف السوريون وخصوصا من يمثلون منهم أطياف المعارضة ويحملون ألويتها أمام استحقاقات تاريخية وعلى مفترق طرق حاسم، فإما أن يختاروا الائتلاف تحت سقف الوطن الجامع لأحلامهم وتطلعاتهم فمطالب الحرية والعدالة والمساواة واحترام خيارات الشعب مفاهيم يمكن أن ينضوي تحت لوائها الجميع، ويحترمون في ما سوى ذلك اختلافاتهم وتعدد آرائهم وسيجدون حينها من تأييد العالم ما يشد من أزرهم ويؤيد حقوقهم ومطالبهم وإما أن يمتد أمد فرقتهم وتشتتهم فيطيلون بذلك عمر النظام لتمتد أيام بطشه بالمدنيين وسيقف العالم حينها متفرجا على مأساتهم وأخطر من ذلك ما يتهدد البلاد من خطر الانزلاق إلى جحيم الحرب الأهلية التي ستأتي على الجميع، وقد يتفهم البعض ارتباك أمر المعارضة وتأخر اتفاق أجنحتها المخترق بعضها من أجهزة النظام ويعزون ذلك إلى انعدام الخبرة السياسية والممارسة الديمقراطية خلال العقود الأخيرة وبسبب ما بذره النظام بين أطياف الشعب الواحد من بذور الشك والريبة في نوايا بعضهم تجاه بعض، فهل سيثبت السوريون لأنفسهم وللعالم الذي يترقب ما ستؤول إليه حال ثورتهم أنهم شعب عريق يستحق حريته التي يضحي من أجلها بدماء أبنائه، هل سيعرف الشعب السوري كيف يتصالح مع ذاته وكيف يقبل بتعدد طوائفه وتياراته الفكرية والسياسية وهل سيتوصل دون إراقة المزيد من الدماء إلى النتيجة الحتمية من ضرورة التعايش تحت ظل دولة مدنية حقيقية تحفظ وتحترم حقوق الجميع، دولة يتقدم فيها المواطن بعطائه وجهده وإنجازه لا بطائفته وعشيرته، ومع كل ما أسدي للمعارضة السورية من نصح ومع كل ما قدمته ثورات الربيع العربي من تجارب لا تزال مشاهدها ملء السمع وملء البصر إلا أنها لم تستطع حتى اليوم الالتقاء على عقد اجتماعي سياسي ينظم شتاتها وينسق جهودها ويبرز للعالم واجهة سياسية تتحدث بصوت واحد لتمثل تطلعات الشعب وتعكس أحلامه فما زالت أطياف من المعارضة الداخلية والخارجية ترفض الانضمام إلى الائتلاف الذي كون المجلس الوطني للثورة وكأنما لا يعلم قادة المعارضة أن التاريخ لا يتسامح ولا يعيد منح الفرص وأنهم يتحملون بتشرذمهم وزر إطالة عمر النظام ومنحه الفرصة لدق المزيد من الأسافين بين أجنحتهم واللعب على اختلافاتهم وإراقة المزيد من دماء الأبرياء. [email protected]