اعتدنا رؤية كتابات مختلفة المشارب والألوان على الجدران في الشوارع، لندرك ببساطة خلفية كتابها ومستواهم الثقافي والتعليمي، ولكن أن نرى هذه العبارات على جدران مباني جامعات الطالبات وتخط بأيديهن هو ما يدفع المشاهد إلى السؤال: لماذا هذه الشخبطات، ومالهدف منها؟. وفي ردهات جامعة المؤسس قسم الطالبات تجد بعض العبارات المخطوطة على جدرانها وأروقتها، وإذا ماتأملت قليلا، ستدرك أنها اختلفت باختلاف مقاصد كاتبتها، فهذه كتبت اسمين وختمتهما بعلامة يساوي (حب إلى الأبد)، وتلك استخدمت الجدار كوسيلة للدعوة والتذكير، وأخرى فضلت أن تضحك المارة بنكتة ساخرة أو رسم فكاهي، لتأتي زميلتها وتؤذي الأخريات بعبارات توصف بأنها تفتقر الأدب واللياقة والذوق العام، ولن تصيبك الدهشة عند دخولك قاعة دراسية لترى على جدرانها عبارات بقلم الرصاص، ولن تلبث طويلا لتستنتج أنها وسيلة غش، حيث تكتب بقلم الرصاص لتتمكن أخرى تستخدم نفس المقعد في اختبار آخر من إزالته وكتابة غيره!. تخليد الذكريات تقول سارة العتيبي وهي أستاذة جامعية، أن بعض الطالبات يكتبن بهدف التقليد، فمثلا تكتب الطالبة اسمها واسم زميلتها لتخليد الذكريات، فيما تذهب بعضهن إلى الكتابة بهدف الغش ونحن نحاول قدر المستطاع منعهن وتبديل أماكنهن وقت الاختبار وإيقاع العقوبات بمن تعمد إلى هذا التصرف حسب ماتنص عليه القواعد والأنظمة في الجامعة فيما يتعلق بضبط حالات الغش، وبعضهن تتخذ هذا الأسلوب كسلوك يفعلنه بطريقة لا شعورية. تصرف لا أخلاقي من جهتها، رأت الطالبة الجامعية أمل القرشي أن «هذا التصرف لا أخلاقي، ويحفز الطالبات الأخريات إلى الاقتداء به، وإن كانت بتصرفها تقصد الدعوة أو أمرا مفيدا فبإمكانها طباعتها على أوراق وطلب موافقة الجامعة فإن كان في مصلحة الطالبات فلن ترفض المسؤولات طلبها»، فيما أكدت سارة الحازمي وهي طالبة جامعية أيضا «أنزعج بشدة من رؤية هذه الكتابات على المباني العامة، وتؤلمني رؤيتها على جدران الجامعات، فهي تعكس فكرة عن مستوى متخلف لبعض فئات مجتمعنا، خصوصا أن من تكتب هذه العبارات طالبة جامعية من المفترض أن تكون على قدر عال من الأخلاق والثقافة، ومن تكتب اقتباسات من أحاديث أو أذكار مخطئة أيضا، فهي اختارت العبارة السليمة في المكان الخطأ». تجمع بين شرين كذلك تحدثت الدكتورة الداعية نبيهة الأهدل، عن رأيها في الكتابة على الجدران من وجهة نظر دينية قائلة «الوسيلة تابعة للهدف، فلا يجوز الكتابة بغرض الغش؛ لأنها بذلك تجمع بين شرين، وهما شر الغش وشر إتلاف الممتلكات العامة، كما أنها مجاهرة بالسوء وتؤدي إلى زيادة مساحة الضرر الواقعة حتى ولو أرادت كاتبتها الحصول على الأجر بكتابة الأذكار وغيرها. قصور تربوي بدورها، أشارت حنين سيف المختصة في التنمية البشرية، إلى أنه من المؤسف ما يحدث من فئة يفترض أنهن في مرحلة التعليم العالي وممن يفترض منهن تبني التربية والتعليم للجيل المقبل، وأضافت «بل ومن المؤسف أيضا عدم اهتمام الكثيرات ممن تنظرن إلى هذا العمل على أنه عمل مشين ويخدش المستوى الحضاري والثقافي للفئة العمرية والجهة التي يتم فيها ذلك بوجه عام، والمجتمع متمثلا في أفراده هو الكوابح الضابطة للسلوك المرفوض، وعندما تهتز الكوابح ينطلق السلوك بحرية وبلا قيود، ولو أن كل فتاة ساهمت بما تستطيع للحد من تحول الأمر إلى ظاهرة غير حضارية بالإبلاغ وأخرى بالتوجيه وثالثة بتقديم برامج متنوعة ورابعة بتنسيق محاضرة وخامسة بشغل وقت الفئات المحددة وسادسة بتوجيه الفئة وتنظيم دورة في طلاء الحائط وسابعة بالعمل على إعادة الطلاء للحائط. الحل في «الجرافيتي» من جهته، أبدى الخبير في علم الاجتماع الدكتور عبد الله باخشوين وجهة نظره في هذه المشكلة قائلا «الموضوع فيه شيء من الطرافة والغرابة، إلا أنه في نفس الوقت يوجه الاهتمام نحو (ظاهرة) طلابية عالمية، تختلف درجة وليس نوعا، لها انتشار واسع بين جميع الطلاب في جميع أنحاء المعمورة، ولا تقتصر على جنس دون آخر، فكما يمارسها الطلاب أيضا تمارسها الطالبات، ولكن تتفاوت المواضيع التي يتناولها الذكور عن الإناث، وهذا لا يمنع من أن تكون هناك بعض المواضيع المشتركة بينهما، ولو حكت طاولات الدراسة أو الجدران لسجلت للتاريخ حكاوي وشعارات و أشعار وتعليقات سياسية وعاطفية وكروية كثيرة، وتكون مناسبة لرصد الاختلاف بين الأجيال في أنواع التعليقات والمواضيع باختلاف الزمان والمكان»، وأكد «بعض من المتخصصين في علم الاجتماع في المجتمعات الغربية أجروا دراسات على كتابات الطلاب والطالبات وأنواع التعليقات التي يكتبونها وارتباطها بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك ارتباطها بخصائص الطلاب والوضع الاقتصادي والاجتماعي لهم، كما أجروا تحليل مضمون لهذه الكتابات وصدرت في كتاب، فهي من حيث الانتشار لها حضور في العالم». فرضية «التنفيس» وشرحت أسماء أفغاني المشكلة من وجهة نظر علم النفس، وهي متخصصة في هذا الجانب، وقالت: إن العلماء فسروا الكتابة على الجدران، بأنها نوع من الإحساس الداخلي وأحد طرق التنفيس «وبعض التفسيرات والإشارات أكدت أنها رغبة في إيصال رسالة ما إلى فرد أو مجتمع أو سلطة، وهناك من يعتقد أن الذين يكتبون على الجدران هم أشخاص غير أسوياء، فيما يعتبر آخرون تلك السلوكيات بمثابة نوع من الصراع ونوع من سوء التكيف مع حالة معينة، وأنهم غير قادرين على التعبير عن أفكارهم والكتابة وسيلة للتعبير عن المكبوت في النفس بمعنى أنها خاضعة لفرضية (التنفيس) التي صاغها (فرويد)، والذي يكتب على الجدران في الأغلب لا يعي لماذا يفعل ذلك».