أثناء زيارة الأستاذ خالد القشطيني - لجامعة سسكس في جنوب إنكلترا، اطلع - كما ذكر في مقالة له – على شذراتٍ منتقاةٍ بعنايةٍ من الأدب الغرافيتي! وهو أدب قديم جديد يعنى بالأفكار والقيم والخزعبلات، التي يكتبها البعض على الجدران والصخور بواسطة الأزميل والطلاء والأقلام، كنوعٍ من التنفيس الروحي، أو الاعتراض السياسي، أو التعبير عن حرية الرأي. وكان من ضمن تلك الشذرات التي انتقاها الأستاذ خالد ما كتبه أحدهم: لقد استشهدت في الامتحان النهائي بكارل ماركس، ورسبت في الامتحان. جاء تلميذ آخر وكتب تحت ذلك: أنا استشهدت بآدم سميث، ورسبت في الامتحان أيضاً. وجاء تلميذ ثالث، وكتب بقلم عريض: أنا أوردت اقتباساً من الإنجيل، ورسبت في الامتحان النهائي. وقال رابعهم: أنا استشهدت بما قرأته مكتوباً على الحيطان ونجحت! ثم استطرد الكاتب بقوله: الروعة في أدبيات الحيطان أنها غالباً ما تقوم على الحوار الحر. تكتب أنت شيئاً ويأتي رجل آخر لا يعرفك ولا تعرفه فيعلق على ما كتبت. ثم يقرأ شخص ثالث ما كتبتما، فيوحي له بشيء جديد يضيفه إلى ما سبق. يأتي أخيراً شخص عابر سبيل، الداعي كاتب هذه السطور، فيقرأ ما كتبوا ويهتز بما قرأ، فيسجل كل ذلك، ويصيغ منه مقالة صحافية يقرأها القارئ الكريم على بعد ألوف الأميال. كان منها ما قرأته في منطقة همرسمث في لندن على حائط بيت مهجور: «المجد لصدام حسين»! شطبوا على كلمة المجد وكتبوا «الموت». جاء شخص آخر وشطب على كامل العبارة وكتب تحتها «يعيش بطل العروبة صدام حسين». وضعوا خطاً عليها بقلم فحم وكتبوا تحتها «يسقط المجرم صدام حسين جزار حلبجة». تحت كل هذا الكلام المشطوب، قرأت هذه العبارة «أنتم أيها العرب... ألا تستطيعون الاتفاق على شيء؟». قرأت هذه العبارة وقلت لنفسي يا سبحان الله حتى الإنكليز أصبحوا يضحكون علينا. وما أشبه الليلة بالبارحة، ونحن نواجه هذه المأساة في غزة! في غمرة انتخابات المجالس البلدية في المملكة، سطر أحدهم على الحائط بلونٍ أسود عتيق شعار: انتخبوا أم علي! ولم يذر صاحبنا جداراً ولا حائطاً إلا ولطخه بهذه الدعوة الخالدة لانتخاب أم علي! فمن تكون أم علي هذه؟ أهي امرأة من لحمٍ ودم؟ أم هي الحلوى المشهورة؟ أم مجرد إثبات وجودٍ لأم لا معنى لها؟ البوكس