لم يزل الناس يرددون قول الشاعر: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الأنام كتاب ولكن المتأمل لصور البيت لا يجده موافقا للواقع المعاصر، فلم تعد سروج الخيل هي أعز مكان للإنسان في حله وترحاله وفي سلمه وحربه، فقد أصبحت بين يديه وسائل نقل حديثة من طائرات وقطارات وسفن وسيارات تسوح به في الفضاء وفوق الأرض وفي عباب البحر، وتوصله في ساعة وبكل راحة وأمن إلى ما لا يستطيع أن يقوم به «أبو سابح» في نصف شهر، حتى القرويون الذين كانوا يعتمدون على الخيول في المواصلات والحرب أصبحوا يملكون سيارات وجرارات تقوم الواحدة منها بعمل عشرة خيول بلقاء! وأصبح «أبو سابح» جزءا من التاريخ وصورة من صور السياحة يتلهى به الصغار، وقد يرقى به الحال فيكون مشاركا في مضمار سباق لإسعاد المترفين الذين لا يكونون على سرجه، بل يتفرجون على غيرهم من الفرسان وهم يخوضون السباق ويصفقون للفائز منهم. وما تقدم يعني أننا انتهينا من الأول واستبدلنا غيره به، ولم يعد مهما في حياتنا المعاصرة مثل أهمية السيارة والقطار والطائرة، ومن يقول بغير ذلك فإنه حالم أو مغالط. ويبقى الثاني وهو الكتاب الذي يرى الشاعر أنه خير جليس للإنسان وإنه كذلك فعلا ولكن وسائل الثقافة والمعرفة والاتصالات التي طرأت على حياة الإنسان في السنوات الأخيرة أثرت بلا شك على مكانة العم «خير جليس»، ويمكن بإحصائية بسيطة على أي مستوى إدراك هذه الحقيقة. وكنت قبل عدة سنوات عندما أركب قطارا في أوروبا أجد العديد من الركاب وبين أيديهم كتب يقرؤونها لقطع الزمن والمسافة، فأصبحت الآن أرى أمام معظمهم حاسبا آليا صغيرا يتجول من خلال شاشته على مئات الكتب والمواقع والمعلومات وبضغطة زر واحدة وعلى فنجان قهوة أو شطيرة بالجبن أو الخنزير! وإن وجدت أحدا ممسكا كتابا فإنه سيكون شيخا كبيرا ترتجف يداه من بقايا الحرب العالمية الثانية وربما الأولى. وإذا سألت اليوم أي شاب عن آخر كتاب جالسه وقرأه أخبرك أن شاشة النت أغنته عن خير جليس، وربما عرفته على إبليس. وفيما يتحدث الإخوة في الصحافة عن مخاوف حقيقية من إمكانية اختفاء الصحافة الورقية لتحل محلها الصحافة كما اختفى «الإتريك» من قبل، فإن المخاوف قائمة من أن يختفي الكتاب ويصبح وجوده في بعض الدور للزينة تكملة للديكور! للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة