لو أن عمنا المتنبي ظهر فجأة في عصرنا الحاضر لشعر بالندم على قوله في بيته الشهير : أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ومبعث الندم كما أظن فيما يتصل بالشطر الأول من البيت أن المركبات والطائرات النفاثة بمختلف مسمياتها أحالت الخيول الى التقاعد، ومبعثه فيما يتصل بالشطر الثاني أن الوسائل المعلوماتية والاتصالية وعلى رأسها الشبكة العنكبوتية قلبت الموازين رأسا على عقب وسحبت البساط من تحت الكتاب لتغدو الخيرية لها دون منافس، وأريد التركيز هنا على الشطر الثاني من البيت فالعبد الفقير الى ربه له عدة مصنفات آخرها كتابان الأول ديوان شعر والآخر مجموعة قصصية صدرا عن ناديين من أنديتنا الأدبية منذ أكثر من عشر سنوات خلت وقد تسلم النسخ المخصصة له من المصنفين لتوزيعها على المكتبات وأعدادها ليست قليلة، وحتى تاريخ كتابة هذه العجالة فان المؤلف لم يقبض من كل المكتبات التي أشبعها بالمصنفين وبما سبقهما من مصنفات ريالا واحدا وسبب ذلك أن سائر المكتبات لم تبع نسخة واحدة منها، ومازال الغبار يهيمن على أغلفة تلك المصنفات وربما هيمن على صفحاتها أيضا . لست مبالغا إذا قلت إن الرواتب التي تصرف للعمالة المسؤولة عن ابعاد الأغبرة عن رفوف المصنفات أكثر بكثير من عوائد بيعهاهذه « الغربة « الفظيعة التي يعيشها الكتاب في الوطن العربي بأسره تمثل ظاهرة سيئة يبدو أن معالجتها صعبة ولا أقول مستحيلة، ولست وحدي الذي يشكو منها الأمرين بل سائر الأدباء في شتى الأمصار والأقطار الذين اكتفوا كما يبدو بنشر إنتاجهم عبر المجلات والصحف دون محاولة نشره في مصنفات لمعرفتهم مسبقا بمصيرها المحتوم، ولست مبالغا اذا قلت أن الرواتب التي تصرف للعمالة المسؤولة عن ابعاد « الأغبرة والعثة والنمل الأبيض « عن رفوف سائر المصنفات الأدبية والعلمية التراثية والمعاصرة في كل المكتبات ما صغر منها وما كبر في ديارنا العربية دون استثناء أكثر بكثير من عوائد بيعها المتدنية التي أخجل من ذكرها هنا، وأظن أن الأمل معقود للحفاظ على البقية الباقية من « بهاء الكلمة وتأثيرها « على الصحف فالكتاب لفظ أنفاسه الأخيرة وأخشى ماأخشاه أن تلفظ الصحافة الورقية أنفاسا مماثلة في ضوء انتشار الصحافة الإلكترونية، وحينئذ سوف يشعر عمنا الآخر شوقي بالندم لو ظهر فجأة في عصرنا الحاضر على قوله في بيته الشهير : لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف [email protected]