يعد مسلم البرازي من الأسماء الأكثر روعة من تلك القبيلة الإعلامية العظيمة التي وضعت لبنات أكثر وضوحا في حياتنا الإذاعية بشكل خاص.. والإعلامية على وجه العموم.. مسلم الذي رحل عن دنيانا أخيرا.. رحل غير مصنف أي أننا لم نعرف في حياة الإعلام أي تصنيف له بين المواهب الإبداعية، ذاك كونه مجموعة مواهب متراكمة يجمعها الصدق والإبداع الحقيقي بينما طغت من بين هذه المواهب موهبة الشعر الغنائي وتلحينه أحيانا، وتحديدا تلك الأغنيات الوصفية التي طارت من وجدانه إلى وجدان كل الأمة بمسماها «أغنيات إذاعية» كونها من إنتاج الإذاعة، والمعروف أن أغنيات الإذاعة كما هو عند كل الأمم تظل ويظل جمالها ونجاحها حبيس أرشيف الإذاعة وليس كما تلك الأعمال الفنية التي تصل عبر كل المنافذ الإعلامية عندما تكون إنتاجا خاصا لصاحبها أو لشركات الإنتاج الخاصة مسلم البرازي شاعر وإعلامي معد للكثير من البرامج في إذاعة جدة منذ ستينيات القرن الميلادي الماضي وموسيقي قدم الكثير لعالم الأغنية المحلية، وهو واحد من أسماء كبيرة تعاقبت على البروز في كتابة الأغنية الوصفية التي راجت في ذلك العهد كثيرا وكان لها تأثيرها الكبير في الساحة من خلال المذياع، وله من الأعمال مايجعله أحد أهم الإذاعيين والفنانين والشعراء ذوي الفضل في تقديم تحايا جميلة للفن في المملكة. من هو؟ رحل مسلم البرازي في 21/7/1432ه 23/6/2011م بعد سنوات طويلة قضاها بيننا مبدعا في مجالات الإعلام وتحديدا في إذاعة جدة والشعر الغنائي والعمل البرامجي اللا محدود منذ 1964م (1384ه) قدم فيها الكثير للوطن.. انتقل إلى رحمة الله الشاعر مسلم البرازي، الذي ارتبط إبداعه بأهم وأشهر الأغنيات الوطنية والوصفية لعل أبرزها تلك الأغنية الوطنية التي قدمت بصوت الراحل طلال مداح عند تولي المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز مقاليد الحكم «فيصلنا يافيصلنا» التي كانت واحدة من أشهر أغنيات تلك المناسبة وتلك المرحلة وأغنية «ما شفت أنا أبهى من طلتك يا أبها» من أشعاره وألحان عمر كدرس وغناء وديع الصافي، والكثير من أغنيات المجموعات والكورال في الإذاعة السعودية منها «هيا ياربع هيا للمنطقة الشرقية .. فيها خيرات بلادي». قالوا عنه في هذا الفنان والشاعر المختلف تحدث كثير من الفنانين وممن زاملوه في مشوار الإبداع، كذلك تحدث محبون لتجربته الإبداعية ومن هؤلاء تحدث الموسيقار سراج عمر بقوله: في تلك الفترة التي قدمنا فيها الكثير من الأغنيات الصباحية والوصفية وكان الراحل فارسا لهذه النوعية من الأعمال في معظم الأحيان إلى جانب الراحل سعيد الهندي رحمهما الله والبرازي على وجه الخصوص الذي خسرناه قبل شهرين كنت اتمنى لو أنه ظل يواصل العطاء في سني عمره الأخيرة وأن لا يكون بعيدا عن الجمال الذي كان ينشره من خلال المطربين الأبرز في عالمنا العربي كنت اسأل فقط أين كان عطاؤه في السنوات الأخيرة من عمره؟ ويقول الموسيقار سامي إحسان: تخصصه في الأغنيات الوصفية جعله علامة مميزة دون غيره من زملائه الأساتذة الذين خاضوا هذا المجال الذي أراه أن مسلم رحمه الله كان صاحب حس وصفي جميل فما أجمل ما كتبه عن مختلف مدننا ولحن بعضه. وكان الراحل عمر كدرس يقول: إن نص أبها الذي لحنته من أشعار مسلم البرازي لصالح صوت وديع الصافي عندما زارنا للمشاركة في مسرح التلفزيون يومها كان أشبه بالإضافة للدرجة التي قال وديع الصافي فيها للأستاذ إبراهيم العنقري أن أجمل أغنية قدمها كانت تلك التي قدمها لصوتي الكدرس ومسلم البرازي «أبها». ويقول الإعلامي الدكتور ناصر بن عبدالله الخرعان الذي عمل مخرجا ومعدا في وسائل الإعلام السعودية المختلفة ومدير العلاقات العامة في مجلس الوزراء حاليا: كانت أعمال شاعرنا وفنانا الراحل مسلم البرازي من أكثر الأغنيات التي سكنت وجداننا وهو يتحول في مختلف مناطق ومدن المملكة بدليل كتابته أجمل ما غنى في حائل وأبها وجدة وغيرها من المدن وفي مناسباتنا التي ليس لها حدود سيما تلك المرتبطة بالوطن رحم الله البرازي الذي قدم كل ما عنده من مواهب لصالح إذاعة المملكة. قول الإعلامي الكبير والكاتب الدكتور بدر كريم: هذا المبدع.. رجل جميل في كل شيء إذ أني لم أكن أسمع طوال مشوارنا العملي في إذاعة جدة عن خصومات له مع أحد أو أنه مفتعل لأي معطلات في العمل مع مسؤول أو زميل بل أنه رجل لايعرف غير العمل، والتفكير دوما بتقديم ما هو مميز دوما، ومن الذي لا استطيع نسيانه أنه قبل رحيله بفترة رحمه الله رأيته وكنت بصحبة الزميل الدكتور عائض الردادي وهو لم يكن بتلك الأناقة التي عاشها طوال عمره بحكم السن حتى أن ظهره رحمه الله احدودب من فعل السنين، سألت بدهشة زميلي الردادي هل هذا بالفعل زميلنا مسلم البرازي؟ فأجاب إيجابا فقلت بيني ونفسي يا الله.. هذا الرجل الفنان الأنيق الذي كان يعتد بهندامه وأناقته ويحرص أن لا يراه الناس إلا أنيقا بهي الطلعة والطلة بشكل يتوازى مع إبداعاته التي كان ينثرها على وجداننا وأسماعنا. كما أن التعميد الذي كلف به من الوزارة للتجول بين مدن المملكة ساعده على كتابة الوصفيات بنجاح. وكان الإعلامي الكبير زهير الأيوبي كتب عنه الكثير وعن مشواره قائلا: مات هذا الإنسان الشاعر عن عمر يناهز ال80 عاما، ولم يترك وراءه شيئا من حطام الدنيا وزخرفها وزينتها.. بل ترك وراءه قصائد خالدات، وأناشيد مركوزة لا تنسى في القلوب، وأغاني محفورة في الذاكرة، لطالما رددتها الألسن، واختلطت بها أهازيج الكبار والصغار. قدم مسلم البرازي إلى المملكة 1384/1964 بدعوة من وزير الإعلام في ذلك الوقت الشيخ جميل الحجيلان أي بعد قدومي إلى المملكة بعدة أشهر، ثم انضم إلى موظفي وزارة الإعلام بناء على رغبة معالي الوزير، فعمل في الإذاعة في قسم الموسيقى والغناء بإذاعة جدة واستمر في عمله هذا طيلة عهد الشيخ جميل الحجيلان وقد نقل خلال ذلك إلى إذاعة الرياض واستمر في العمل طيلة عهد الوزير التالي الشيخ إبراهيم العنقري رحمه الله ، وفي عهد الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله تم فصله من العمل أو عدم تجديد عقده بناء على سوء تفاهم حصل بينه وبين رئيسه المباشر.. وظل يتعاون مع التلفزيون في مجال رقابة البرامج إلى أن توفاه الله. ولد الشاعر مسلم صبري البرازي في سورية في أوائل الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي.. وعلى الرغم من أن أجداده يقطنون مدينة حماة لكنه ولد في دمشق.. وتعود أصوله الكردية إلى العشيرة البرازية التي استوطنت في أكثريتها مدينة (حماة).. وهي عشيرة كردية مرموقة أنجبت عددا من الشخصيات السورية البارزة.. منهم الدكتور محسن البرازي عليه رحمة الله والذي شغل منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس السوري حسني الزعيم والسيد حسني البرازي الذي كان في فترة من الفترات في عهد الاستقلال نائبا في البرلمان السوري، ورئيسا لتحرير جريدة «الناس» اليومية كما أن من هذه الأسرة أو العشيرة السيد خرشو البرازي. وفي العام 1940 درس في المرحلة الإعدادية المتوسطة حينما لبى دعوة السيد فوزي القاوقجي رئيس جيش الإنقاذ، في الانضمام إلى المجاميع التي انحازت إليه للمشاركة في قتال الصهاينة لتخليص (فلسطين). وفي الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الميلادي الماضي نشط البرازي في ميدان الإعلام والفن والشعر، وسبق وتقدم وتميز في مجال الشعر الغنائي، فحملت قصائده أصوات كثير من المطربين والمطربات مثل رفيق شكري وسعاد محمد ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وفتى دمشق ونجيب السراج وفدوى عبيد ومها الجابري وكروان. بعد وصوله إلى المملكة جال في كل مناطقها بترتيب من (وزارة الإعلام) وطاف في العديد من مرابعها، ونظم قصائد عديدة عن (جدة) و(الطائف) و(المنطقة الشرقية) و(القصيم) وغيرها، ومن ذلك: (لو كلفت عليكي تقللي درب الطايف فين)، (اسكتش المنطقة الشرقية)، (حنا من القصيم حنا)، (ورد عالعين عين الجابرية غزال زين وتلفت علي)، وغيرها وغيرها وغيرها.. وقد قام بأداء هذه الأغاني في أكثرها المطرب (محرم فؤاد) والمطرب (فهد بلان). ولعل من أوائل الأناشيد التي برز فيها مسلم البرازي وتجلت فيها عبقريته الشعرية، وصارت تتردد على ألسنة الناس كبارا وصغارا، رجالا ونساء، نشيده الرائد الرائع، (فيصلنا يا فيصلنا بيدك رافع فيصلنا) والذي نظمه مع افتتاح (إذاعة الرياض) ولحنه الموسيقار الكبير الأستاذ (طارق عبدالحكيم) وأداه مع المجموعة!! وكذلك نشيد (سلمك الله، يا بوعبدالله). الذي لحنه وأداه المطرب الكبير (وديع الصافي)!! والنشيد الثالث عن (الملك فيصل) عليه رحمة الله والذي كان له وقعه الكبير في حينه هو نشيد (فيصل هو الحد الفاصل بين الحق وبين الباطل) الذي غناه وأنشده المطرب الكبير (فهد بلان)، ونشيد (أبو تركي وأخو نورة). هذا النشيد الذي يتحدث عن (الملك عبدالعزيز) ويشيد بفروسيته وأخلاقه العالية والقيم الإسلامية الكريمة التي كان يتمسك بها ويجاهد من أجل إعلائها. ومن الأناشيد الرائعة الجميلة التي تتحدث عن توحيد المملكة، وعن التطبيق العملي للإسلام ومبادئه، نشيد (أصل العروبة). لقد وقف الشاعر الكبير (مسلم البرازي) موقفا شجاعا واضحا قويا لا لبس فيه مع المملكة والملك فيصل رحمه الله وما يمثله من نهج إسلامي كريم أصيل، وكانت حربا لا تعرف الهوادة على أعدائه وأعداء المملكة من الناصريين واليساريين والشيوعيين والملحدين، فنظم القصائد العديدة في ذلك وكان من أهمها وأبرزها نشيد: إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية إسلامية إسلامية من مكة (فيصل) أعلنها إسلامية إسلامية ونشيد: من ستمائة مليون من كل عشيرة ولون وقد قام بتلحين جل هذه الأغاني والأناشيد إن لم يكن كلها، الملحن محمد محسن رحمه الله . وكتب عنه محمد إبراهيم الماضي المشرف العام على القناة الثقافية في التلفزيون السعودي مايلي: مسلم صبري البرازي الذي يعد أحد أبرز مشاهير الشعراء العرب في العصر الحديث، عاش بيننا عزيزا مكرما في بلده الثاني المملكة العربية السعودية الذي قدم إليه منذ مايزيد على ال40 عاما من بلده سورية، عاصر خلالها وشارك مع الرعيل الأول من الإعلاميين السعوديين في وضع اللبنات الأولى لتأسيس الإذاعة والتلفزيون في المملكة خلال هذا العمر الطويل أنتج وأبدع العشرات من الأناشيد الوطنية والاسكتشات الرائعة التي تؤكد محبته لهذه البلاد قادة وشعبا.. كتب شعرا يذوب حبا ووجدا في بريدة والطائفوجدة وأبها والمنطقة الشرقية وغيرها من مناطق المملكة. وتشرفت بمعرفته منذ ما يزيد على ال20 عاما؛ حيث كان يعمل معنا في التلفزيون السعودي مراقبا متعاونا، عرفته رجلا واسع الثقافة ومحبا ومتذوقا للكلمة الجميلة وغيورا على اللغة الفصحى ومدافعا عنها.. عرفته لماحا وصاحب بديهة سريعة، فضلا عن قدرته على التلاعب بالألفاظ والأقوال بحيث يصنع منها تيمات وإفيهات خاصة به، وتكون دائما مثار إعجاب من يستمع إليه. كان له رحمه الله حضور قوي ومشرف إبان الحملات التي كان يشنها الإعلام الناصري ضد المملكة وقادتها فكان يرد شعرا ونثرا قويا ضد هذا الهجوم، حيث كان يرفض رحمه الله أن تمس المملكة بأي إساءة. رحل مسلم البرازي مستورا كما جاءنا فلم يصنع ثروة كما حصل مع الكثير من أبناء جلدته ممن جاءوا معه إلى المملكة، وإن كان قد صنع اسما لامعا ومكانة مرموقة، فقد كان رجلا يعيش حياته بروح الفنان. رحل مسلم البرازي بعد أن صنع له اسما ومكانا بارزا بين شعراء العرب فأعماله وإبداعاته ستظل شاهدة له على قدرته ومكانته وتمكنه من أدواته وفنه. ويقول عنه شاعرنا الكبير وأشهر وأول من كتب الأغنيات الوصفية في المملكة إبراهيم خفاجي صاحب أوبريت عرائس المملكة في مهرجان الجنادرية: مسلم رحمه الله شاعر جميل تابعت كثيرا عطاءاته ومشاركاته معنا في الأغنيات الوطنية والوصفية، كنت معجبا وبشكل كثير بكل ماكتب من أغنيات رددها أبنائي المطربون مثل أغنية «حبيبي مرني بجدة» بصوت محمد عبده وأغنية «حائل» بصوت طلال رحمه الله .