عندما كنا نحن المسلمون ستمائة مليون إنسان في السبعينات الميلادية، كان مسلم البرازي ليبرو إذاعة جدة، شاعرا ومعدا وبرامجيا كبيرا، مسلم الذي رحل عن دنيانا الأسبوع الماضي أطلق نشيده الشهير من «ستمائة مليون.. من كل عشيرة ولون .. حنا الأمة الإسلامية وحدنا الله توحدنا.. وكتاب الله وحدنا... من ستمائة مليون..» كان هذا النشيد الأشهر الذي قدم بكورال الإذاعة من بين أناشيد وطنية ووصفية عديدة منها «هيا يا عرب.. هيها للمنطقة الشرقية.. فيها خيرات بلادي» وكان أشهر ما قدم عند مبايعة المغفور له الملك فيصل نشيده بصوت طلال مداح رحمه الله «فيصلنا يا فيصلنا»، كذلك الأغنية الوطنية الأشهر «سلمك الله يابوعبد الله . . سر بينا سر يابو قلب كبير يابو عبد الله» التي شدا بها المطرب الكبير وديع الصافي. مسلم البرازي، عندما كان موهبة شعرية وموسيقية كبيرة وإذاعية فتية في سوريا وقعت عليه عين الخبير السعودي الشيخ جميل الحجيلان «أول وزير للإعلام»، في الستينات الميلادية، دعاه للعمل في إذاعة المملكة، وبالفعل اشتعل مسلم البرازي نشاطا وفنا وقدم الكثير من الأعمال الإذاعية والفنية التي كان لها ملامحها الواضحة في مسيرة الأغنية الإذاعية وطنية كانت أم وصفية أم عاطفية، كان منها ما يذكر ولا ينسى أبدا كأغنية محمد عبده التي لحنها الراحل محمد محسن «حبيبي.. مرني بجدة..» يومها اعتبرت الأغنية من أشهر أغنيات الإذاعة وكانت منعطفا في مشوار محمد عبده الغنائي عند بداياته الموفقة جدا. كان مسلم قد اختار الرياض للإقامة الدائمة طوال سنين تقاعده إلى أن توفاه الله الأسبوع الماضي بعيدا عن إبهار النجومية التي كان يرحمه الله جديرا بها، وهي المدينة التي رأس فيها القسم الموسيقي في «إذاعة الرياض»، ومسلم البرازي كما يقول الإعلامي الكبير عبد الرحمن يغمور من أطيب الناس خلقا في الوسط الإعلامي، ويضيف يغمور «لا اتذكر أنه انخرط في خصومة مع أحد، وكان إلى جانب زميله الفنان اللبناني الراحل رشيد علامة في إذاعة جدة من أكثر المتعاملين بمنتهى الذوق والأدب وحب العمل والتفاني فيه». البرازي توفي لايملك من حطام الدنيا شيئا، لدرجة أننا نستطيع القول أنه مات معدما كما أكد كثيرون من أساتذتنا في الإعلام السعودي، ومنهم الدكتور بدر كريم، وهذه حال هي حال كثيرين من الذين ساهموا في تأسيس قواعد الثقافة الإذاعية والإعلامية والفنية في بلادنا، والذين اصطلح على تسميتهم بجيل الرواد، لم يجد معظمهم التقدير المناسب لما قدموا لهذا الوطن، وذلك يدعونا إلى توجيه سؤال: لماذا لانعمل على إتاحة مايمكن أن يساعد هؤلاء الرواد على حياة كريمة عندما تتقدم بهم السن؟، والنماذج غير المكرمة التي كان من المفترض أن تكرم من قبل وزارة الإعلام في حقب مختلفة عديدة والمقترح هنا تكريمان، الأول إشعار هذه النماذج نفسيا بالحاجة إليها بالاستفادة من خبراتها الطويلة، في تدريب وتوجيه الإذاعيين الشباب، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يحتاج هؤلاء الرواد من مراحل التأسيس إلى أن يكون لهم من الدخل المادي قدرا يؤمن لهم حياتهم الكريمة في أمر يختلف عن الراتب التقاعدي، الذي قد لا يفي متطلبات حياة من صنع باسمه وجهده مكانة كبيرة بإبداعه ومساهمته في رفعة بلادنا.