قفزت الأمسية الثقافية في ديوانية أرامكو الرمضانية في مدينة الظهران مساء أمس، ومحورها الرئيس «الإعلام الإلكتروني الجديد»، من الجدلية حول مصير الصحافة الورقية واكتساح الإلكترونية وسيطرتها على أبعاد الرأي العام وتشكيل مداه الثقافي والاجتماعي، إلى صورة تجسدت فيها وعبرها فحوى المنهجية العلمية حول هذه الإشكالية القائمة عند من يصر من طرف بأن الإعلام الجديد هو الأقوى والمسيطر والآخر يؤكد بأن الورقي سيبقى إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. الأمسية حضرها عدد من إعلامي المنطقة الشرقية وضيوف مهرجان أرامكو الرمضاني، فيما كان فرسانها كل من رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» محمد التونسي، رئيس تحرير صحيفة «الشرق» قينان الغامدي، رئيس تحرير صحيفة «اليوم» سابقا سلطان البازعي، والدكتور عمار بكار مدير الإعلام الجديد بمجموعة mbc. وكانت البداية مع تساؤلات مدير الأمسية حبيب محمود حول الإشكالية القائمة والشائكة بين الورقي والإلكتروني في ذهن المتلقين ومدى الخطورة الحقيقية من الإعلام الجديد كانت محط إثارة حفزت الضيوف على إيراد رؤى ربما لم تكن مطروحة سابقا، وكانت البداية مع سلطان البازعي الذي تحدث في لمحة خاطفة عن تاريخ الإعلام الذي قال عنه إنه بدأ بالصورة ثم النقوش والكتابة وتحدث عن البداية التي لازمت كتابة الإنسان على الورق وكانت على يد الصينيين، وتحدث عن الإعلام الحالي وصناعة التحالفات بين القوى الإعلامية، وبين مدى الأزمة التي تواجه الورق والتي تتمثل في احتمال نضوب مصدره الأساسي، وكيف أن الوسائط الإلكترونية يمكن أن تكون البديل في ظل أزمة النقص والانقراض. البازعي لم يكتف بهذا القدر من التشاؤم حيال مستقبل الصحافة الورقية، بل جزم أن هناك انقلابا في المعادلة الإعلامية حتى أصبح المتلقي مرسلا، وتحدث عن أثر الإنترنت في قلب هذه المعادلة مع ظهور بعض المفاهيم وترسيخها وبالتالي تغيير تلك المعادلة، مشيرا إلى الاتصال الجماهيري الذي أصبح يأخذ نمطا جديدا وقال: «الجماهير باتت تساهم في عملية الإعداد». وزاد: «الطباعة حتما ستضمحل وتموت وستنهار كل التحالفات بين الرأسمالية والصحافة الورقية، فيما يخص الإعلان بل والارتباط العاطفي مع الورق سيكون مصيره الزوال ويبقى حلما رومانسيا يعرف طريقه نحو الخيال». وأضاف: القضية حسمت تماما أمام ثورة معرفية تتعلق بالمحتوى ووسائل نقلها التي أصبحت هي الأرخص والأسرع كون القراءة في هذه الوسائل حديثة وأكثر فاعلية وتجاوزت الحواجز اللغوية والثقافية ولم يعد للرقيب مجال للدخول. وخلص إلى القول: «إننا أمام صناعة رأي عام ستضرب كل النظريات الاتصالية التي راهنت سابقا في السيطرة على الرأي العام من حيث المرسل والرسالة والمستقبل ليعكس الإعلام الجديد هذه النظرية جبرا ويكون المرسل مستقبلا ويملك من الأدوات ما يعينه على ذلك وعلى الإعلام الورقي إذا رغب في العيش عليه أن يغير في وسائله ومحتواه وإلا سيكون مصيره الموت لا محالة. عادة إنسانية متوارثة من جهته، أكد رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» محمد التونسي على حقيقة مفادها أن التعامل مع الورق عادة إنسانية متوارثة، مستدلا بالشعب البريطاني الذي يعد أكثر الشعوب قراءة للورق، مبينا أن هذه القضية حقيقتها محسومة وموجودة رغم وجود نافذة كبيرة من العالم الإلكتروني، مشددا على أن الورق سيظل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وألمح التونسي، أن القضية حول هذه المسألة لم تصل بعد إلى حدود موت الورقي رغم تعدد الخيارات، بل أصبح هناك انحسار في الإقبال عليه فقط، وأن التراجع في الورقي لا يصل إلى حد الجدب ويؤثر في مسيرة العمل الصحافي، وأضاف قائلا: «إذا أردنا العيش كصحافة ورقية ويكون لنا حضور مؤثر، علينا تحمل مسؤولية عظيمة منها إفساح المجال للتكتيك في الحضور، وإتباع خيارات حول كيفية صياغة المادة، والقضاء على المطولات وتقديم للقارئ قصة متكاملة لا تزيد عن 300 كلمة تقريبا، تكتمل فيها عناصر العمل المهني من حيث الدقة والمصداقية والتي تعد منهجا معمولا به في صحافتنا تحقيقا لمبدأ شرف المهنة، مشددا بأنه لا خيار لنا سوى الحفاظ على القارئ. وأشار التونسي، إلى أن الصحافة الإلكترونية لم تنضج تجربتها بعد، لما يعتريها من محاذير مهنية واضحة سبب لها ضعفا في المحتوى نتيجة لافتقادها لاشتراطات المهنة وأدخلتنا في مرحلة من مراحل صناعة الفواجع عطفا على ما تنشره من أخبار، وإن كانت هذه الأمور سجلت تراجعا في الفترة الأخيرة بعد صدور تنظيم وزارة الثقافة والإعلام أخيرا وجعلها تدخل مستوى الالتزام الأدبي وأيضا التزامها بحدود التحذير القانوني الذي جعلها تبتعد عن الاجتهاد الخاطئ وبدأت تعرف ماهيتها الأدبية والسياسية والاجتماعية، مبينا أن المعلن الشرقي لم يقتنع حتى الآن بالصحافة الإلكترونية، وأنها لن تحقق له نصيبا من كعكة الإعلام في السوق. وذكر التونسي، أن الصحافة الورقية اتخذت عدة تدابير في هذا الشأن، منها التحول إلى الصحافة التحقيقية التي تعتمد على جمع المعلومات والتحقق منها بهدف الوصول إلى القارئ وكسب احترامه للمطبوعة، وأيضا التأكيد على الدقة واللغة لتفادي الأخطاء التي تؤدي إلى إيذاء القارئ، مستعرضا بعضا من النماذج للصحافة الورقية في بعض الدول التي نجحت في تدابيرها، مثل تركيا وبريطانيا لنجاحهم في فكرة الأخبار المدمجة التي تخدم التلفزيون والإذاعة والموقع الإلكتروني وهي من النماذج الفريدة والجديدة. عالم افتراضي وبالمقابل، يرى الدكتور عمار بكار مدير الإعلام الجديد في مجموعة mbc أن الإعلام الجديد مساحة لإبراز المواهب، وحافز للإبداع، خصوصا وأن العقل العربي لديه استجابة عالية للإبداع والابتكار عند الحاجة و«الحاجة أم الاختراع»، دون الالتفات لتقييم مسبق تبعا للعمر بل للمنتج الذي يقدمه المستخدم عبر الإعلام الجديد. واعتبر الدكتور بكار، أن الإعلام الجديد فرصة كبيرة لترتيب الأوراق والانطلاق من حيث ابتكر الآخرون، دعما وتطويرا للمورد البشري «الفرد» فهو من يغذي المحتوى العربي، وفرصة للتنافسية التكاملية في مختلف المجالات، خاصة وأن الانعكاسات السابقة هي أمثلة محفزة لصاحب كل فن ومجال في انعكاسات الإعلام الجديد على مجاله، وأن نفكر ونخطط للجيل القادم، مشيرا إلى أن الإعلام الجديد ليس وردا كله، فهو عالم افتراضي يعكس العالم الحقيقي، وهنا تأتي الإشارة إلى مصداقية الإعلام الجديد في كونه أقرب للناس وأكثر قبولا وتفاعلا ومصداقية، فالفرد أقرب لفرد مثله. وأضاف: وبما أن ردود الفعل تصل إلى الفرد مباشرة، ما يدفعه لمزيد من الدقة والتحري والبحث، خاصة في الأخبار بشكل موضوعي دون دوافع خفية أيا كانت، فكما يقولون: «إنما آفة الأخبار رواتها»، مضيفا أن مصداقية الإعلام الجديد جلية في تأثيره المباشر وغير المباشر في حياتنا وتأثيرنا فيه، الذي أصبح واقعا ملموسا، عبر وسائله من مواقع تفاعلية وإعلام اجتماعي Social Media، التي وضحت فعليا دور الإعلام الجديد وتأثيره، لترصد ما يقال تجاه أمر أو قضية ما، ولكن هل تعي هذه الوسائل أن «الصمت موقف»، معتبرا الإعلام الجديد دافعا كبيرا للتعلم والتطوير في الثقافة العامة والتخصص، وربط الصنعة بالصنعة، وتحويل الهواية للاحتراف بإعطائها الوقت الكافي لها، وأن تكون ضمن فريق عمل محترف، وأن يكون للهواية احتياج فعلي في سوق العمل. وألمح الدكتور بكار، بأن عوامل نجاح الصحافة الإلكترونية تكمن في تسع عناصر أهمها تحديد موقع إلكتروني ناجح والصورة الذهنية للعلاقة التجارية للموقع ومصداقية الخبر وشموليته، مشيرا إلى أن تحقيق الولاء للموقع يتمثل في تطابق التجربة مع التوقعات والتحديث السريع للمعلومة المستوى العالي من الفاعلية الاعتراف بفردية مستخدم الإنترنت، وأختتم حديثه بالتحديات التي يجب أن تضعها في خانة أعمالها الصحافة الإلكترونية إذا رغبت النجاح والاستمرار، وإدراك أن زيارة الموقع تكون من مناطق جغرافية عديدة والزيارة ستكون في أوقات مختلفة وعدة مرات وعدة أيام وسيكون هناك زائرون من ذوي الاهتمامات وبإمكانات تقنية متعددة وبطرق متعددة لحركة العين. المحتوى سيبقى رئيس تحرير صحيفة الشرق قينان الغامدي، أكد أن الجدل بين الورقي والإلكتروني بدأ في الغرب، مشيرا إلى أن الإعلام الإلكتروني ساهم في إغلاق عدد كبير من الصحف الورقية، وذلك فق دراسات غربية خلال ربع قرن من الزمان، مؤكدا على أن الفيصل في هذه الجدلية يبقى المضمون، فالإعلام الجديد ذات فكر إنساني وذات رغبة في التحرر وتحقيق العدل وأيضا هو سهل التواصل مع الآخرين. وخروجا من هذه الجدلية كما يقول الغامدي، فأنه يجب أن ننظر للمحرك الأساس في العملية وهو الفيصل الحقيقي سواء تعرض الورقي للفناء وبقي الإلكتروني حيث المحتوى هو من سيبقى، معاتبا الغامدي زملاء المهنة بالقول: «انشغلنا بهذه المعركة ونسينا القضية الرئيسية وهي المضمون»، مشيرا إلى أن العالم المتقدم ليس لديهم أحكام قطعية ولم أسمع أحدا قد قال إن الصحافة الورقية ستموت سوانا حيث أحكامنا قطعية بلا معطيات، وأضاف: «خروجا من هذه الأزمة علينا تفعيل المنهج العلمي لدراسة واقع صحافتنا وإعلانها مثل ما يعمل الغرب في مثل هذه القضايا».وفي محور الإعلام الجديد كشف الغامدي، بعض الرؤى عن المنطلقات المهنية في ظل توفر إعلام جديد كقنوات التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت والإعلام التقليدي، وطالب بوضع منهجية واضحة لإبعاد هذا الإعلام ومعالجته لقضايانا وترشيد الرأي العام من خلاله، وضبط توازنه حتى لا يثير النزاعات ويصعد من الخلافات التي تزايدت فيها حالة التصاعد ووتيرة الخلاف وكانت سببا رئيسا فيه. الأمسية أثارت في مداخلاتها نقطة ذات أهمية بالغة، تناولت واجبات الإعلام الذي يجب أن ينظر بمعيار الرضا الخاص بمجتمعه ولا يكتب إلا ما يرضيه ولا يقفز على حدود خصوصيته. وفي سياق ذات علاقة بالأمسية، دشن مدير عام شؤون أرامكو ناصر عبدالرزاق النفيسي، ملتقى الإعلاميين السنوي بحضور عدد من المشاركين من رؤوسا التحرير وعدد من محرري ومديري مكاتب الصحف المحلية ومدير تلفزيون الدمام ومدير إدارة الإعلام الخارجي، وقال النفيسي في كلمته بهذه المناسبة، أن اللقاء كان ثريا لأرامكو السعودية ويعد علامة فارقة ومتميزة في المشهد الإعلامي السعودي القائم على الحوار وفهم الآخر، عقب ذلك ألقى رئيس تحرير «عكاظ» محمد التونسي كلمة أشار فيها إلى قدرة أرامكو السعودية في إحداث التأثير الإيجابي في المجتمعات وسعيها الحثيث في تقديم البرامج الهادفة والتعزيز من مسؤوليتها الاجتماعية بذات الأفكار الإبداعية المتنوعة والخلاقة. وفي نهاية اللقاء كرم ناصر النفيسي المشاركين من الضيوف والتقطت الصور التذكارية مع الإعلاميين. البازعي: صحافتكم ستموت الإنترنت قلب المعادلة .. وقينان: أحكامكم قطعية بلا معطيات