حين تصطلي بلهيب الريح الصيفية، لا يخطر ببالك سوى سؤال واحد: متى تنقضي أشهر الصيف؟ حين يصفر الشجر وتملأ أوراقه الجافة أرض فناء بيتك، لا يخطر ببالك سوى سؤال واحد: متى يأتي الربيع؟ حين تجف الأرض وتنحني الورود ذابلة في أغصانها، لا يخطر ببالك سوى سؤال واحد: متى يسقط المطر؟ حين تطول غربتك، وينهك جسدك الترحل والركض في المطارات ومطاردة الطائرات، لا يخطر ببالك سوى سؤال واحد: متى ينتهي السفر؟ حين تفترسك الحمى، وتفتت عظامك الأوجاع تتقلب وحيدا على فراش من شوك لا يخطر ببالك سوى سؤال واحد: متى تأتي العافية؟ حين يحرقك الحنين إلى حبيب غال طال غيابه وافتقدت روحك روحه، تنطوي على ذاكرتك تستعيد منها طعم جمال أيامك حين كان بقربك، يهزك الشوق إليه، فما يعود يخطر ببالك سوى سؤال واحد: متى يعود الحبيب؟ هذا يعني أننا لا نشعر بقيمة الجمال في حياتنا إلا حين يغيب عنا. نحن نعيش السعادة والصحة والراحة والأمن والهناء كما لو أنها مسلمات محتمة في حياتنا، ونظل نتعامل معها بلا تقدير أو إعزاز أو امتنان، حتى إذا ما فقدنا شيئا منها أدركنا جمالها، وشعرنا بما كنا فيه من النعيم، وصار ما نفتقده منها هو محور اهتمامنا وانشغلنا به عن كل شيء سواه. أذكر أني قرأت مرة لزكي نجيب محمود ملاحظة صادقة يقول فيها إننا لا نهتم بأي جزء من بدننا كاهتمامنا بالجزء الذي يؤلمنا منه فأصغر أصبع في كفك تظل تحمله يدك عمرك كله لكنك لا تلقي له بالا، وبمجرد أن يصاب بقطع أو حرق ويأخذ ألمه ينخر في أعصابك يصير ذلك الأصبع الصغير المهمل، محور تفكيرك وبؤرة انتباهك، تنسى باقي أعضائك ويظل هو. جوانب الجمال في حياتنا كثيرة، لكنها ليست مسلمات، هي نعم من الخالق، ننعم بها يوما وقد نفقدها يوما، وحين نفقدها قد تعود وقد لا تعود، أي يكون فقدنا لها أبديا، ولكن كم منا الذين يقدرون ما هم فيه من النعم! وكم هم الذين يستيقظون كل صباح ليعبروا عن امتنانهم بما هم فيه من المعطيات الجميلة والطيبة! الناس غالبا يتذكرون ما ينقصهم ولا يتذكرون ما عندهم، وكم تعجبني عبارة قرأتها مدونة على ورقة التقويم تقول: «انشغلت بالبكاء على ما لا أملك، فلم أجد وقتا كافيا لأستمتع بما أملك». فاكس: 4555282-1