في ظل الممكن الذي تستطيعه النفس، هو ترك الأثر الطيب في النفوس، وخليق بنا أن ندرك أن حياتنا إنما هي حِلُّ وارتحال، أدرك ذلك أسلافنا وآباؤنا من قبل، ويسكن في نفوسنا لكن لا تتعامل معه وفق الحضور الدائم في الذهن ... فيغيب عنا أننا على ( كرسي دوار) في هذه الحياة، نسكن حيًا ونرحل، ونقطن حارة وننتقل، ونعاشر قوماً فنَفقدُ أو نُفقد، ونخوض غمار الحياة في عمل، وسرعان ما نتركه إلى آخر، وهكذا دواليك ... ، إذا سألنا أنفسنا: كم زميل دراسة زاملناه !، وكم جار عزيز جاورناه! ، وكم صاحب عمل صاحبناه! ... وجدنا بعد ذلك أنّ الأسماء عديدة، والوجوه كثيرة، والأحداث متنوعة، وربما اختلط الحابل بالنابل ذات موقف !، وأًنسينا من أمرنا شيئا وشيئا ... وحين نتأمل مشاعرنا وأحاسيسنا نجدها تلهث وراء ذلك الزمن الجميل، وتتحسر على سويعاتٍ انقضت، وتتأسف لدقائق انصرمت،...ولكن هيهات أن يعود منها شيء سوى بقايا ذاكرة حالمة !. أيّ زمن جميل؟، إذا لم يكن للروح فيه صناعة ويداً . إن المرء حين يزرع زهرة في كل وادٍ ينزله سيتفاوح عطرها في مجريات حياته المستقبلية، ولن يقف عند حدود معينة، بل سيكون ( ذِكرا حسنا)، ومَن لا يحب الذكر الحسن؟!، إنّ لطف التعامل وجمال صناعة العلاقات الاجتماعية، وتعزيز مفهوم ( الأخوة ) المبني على ( الصدق) سيكون له الأثر الأجمل حين يرحل المرء، أو ينزل مكان آخر، ولعل قول الشاعر ( فالذكر للإنسان عمر ثانٍ ) أصبح مثلا سائرا، لا تجف كلماته بين الألسنة. إن ذلك يستدعي مرحلة من ( الإدراك الدائم ) التي تساعدنا على إتقان العمل الذي نقوم به، وتجاوز مرحلة التكاسل، وعدم المبالاة، والتخلي عن الإحباط الذي يملأ القلوب، وتحمل المسؤولية، والعطاء المتجدد الذي يبرز مخزون الإنسان وطاقاته، ويرسم واجهة أخرى مختلفة لحياة أفضل، وفي المقابل لا ينتظر المرء شكرا عابرا، أو جزاء منتهيا، إذا أبصر أنّ ضوء إتقان عمله، وحسن تعامله، ما زال مضيئا في طريق حياته، ويكون ذكره رطبا على كل لسان بما أبدع من عمل، وبما أحسن من أخلاق، وبما ترك في النفوس من أثر لا يُمحى، ولو بابتسامة صادقة، وهي جزء من صدقة !. ولعل تباين العقول، واختلاف الأمزجة، وتعدد الرغبات، وغلبة الهوى على المنطق، وسيطرة المصالح الشخصية؛ مما يمكن النفوس من نسيان قيمة ( الذكر الحسن )، فتكثر المشاحنات، وتتزايد العداوات، وتكمن في القلوب كمون النار في الدِّمن، وتتكشف في كل حادثة تقع في أي محيط اجتماعي. أن تزرع زهرة وتمضي...، لا تنتظر-واقفا في مكانك- من يقول لك: ما أجملها أمامك. بل يكفي (وحقا تكفي) أن تُقال: وأنت في غمرة حياتك بعيد عنهم، والأجمل أن تأتيك الشهادات دون أن تبحث عنها! . كم نحن بحاجةٍ إلى أن نوقن أن كلّ مرحلة نقضيها في مكان – أيّ مكان – ثمّ نغادره ستكون شاهدا لنا أو علينا. وسيتبعه المقيمون بعدنا فيه ب لقد فقدناه ومثله يفقد، ليته لم يرحل. أو الحمد لله أنه رحل الله لا يكثر من أمثاله. وكم من مسؤولٍ ما زال آباؤنا يذكرون حسن فعاله. وكم من مسؤولٍ –أيضاً – تمنى أقرب الناس إليه أن ( ينقلعَ ) دون عودة، مرددين: الله لا يرده. ومردّ ذلك حسن التعامل وطيب النفس، وجمال الروح، إن وجدت كانت الأولى، وإن فقدت كانت الثانية . أحمد اللهيب