خالجه شعور في ليالي بقين من خواتيم شعبان، بأن أوبته إلى ربه لاحت بشائرها. مضت شهور تحاصره خطاياه، كان كلما هم بالتوبة سارعت غمرات التسويف فأبطأت به عن الإنابة، وتقلبت به أهواؤه حتى بلغ رمضان فقال هذا شهر الفلاح أما حان لكي يا نفس أن تؤوبي إلى رب رحيم ودود، لماذا أبقى أسير هواك، عزم على الصدق وجمع همته على صدق المتاب وترقب ساعة دخول الشهر المبارك؛ ليبدأ مسيرة تحقيق التقوى ويلحق بركب المتقين وينافس الأبرار ويسارع في الخيرات. أحبتي القراء لسائل أن يسأل لماذا كان صيام رمضان عونا على التقوى وداعيا لتحقيقها ومعينا على التوبة؟، ويتلخص الجواب في أن عبادة الصيام بما تتضمنه من عودة بالروح والبدن للانقياد لأمر الله والأوبة إليه وسلوك لطريق التوبة كانت سببا واضحا جليا في نوال العبد خيرات التقوى وتنعمه بالتوبة. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه النفيس زاد المعاد فالصوم تعديل قوة النفس الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ولتقبل ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين وتضيق مجارى الشيطان من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين.. وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وقال النبي صلى الله عليه وسلم «الصوم جنة» وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام وجعله وجاء هذه الشهوة. والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة. وبهذا ندرك فضل صيام رمضان الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه» رواه الشيخان. فإذا جاهد المسلم نفسه وسارع بالخيرات فقام رمضان وقام ليلة القدر وجاد بالصدقات وأحسن الخلق واعتمر وأكثر الدعاء وقام بالعشر الأواخر واعتكف فيها وختم الشهر بزكاة الفطر كان من المحسنين. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينة وخطيب جامع الخندق