لا تتفاجأ أو تستغرب إذا راجعت دائرة حكومية في شهر رمضان لقضاء معاملة ووجدت الموظف غائبا أو نائما وقت الدوام الرسمي، لأن الحجج جاهزة والأعصاب متوترة إلى درجة التشنج، فالموظف صائم ويواجه شمس الصيف الملتهبة في نهار رمضاني طويل، تغذيه العادات الاجتماعية التي تحيل الليل إلى سهر متواصل والنهار للنوم والتراخي والكسل، والنتيجة انفلات أعصاب وتعطيل مصالح المواطنين والكل يردد «اللهم إني صائم». وكشفت دراسة صادرة عن معهد الإدارة العامة، أن نصف موظفي الأجهزة الحكومية يتأخرون عن أعمالهم، وأن 54 في المائة منهم يخرجون أثناء وقت الدوام لإحضار أولادهم من المدارس أو إنهاء بعض الأعمال الخاصة. و69 في المائة منهم يتغيبون بدون عذر. و95 في المائة من الموظفين يغادرون قبل نهاية الدوام بساعة. و22 في المائة يغادرون قبل نهاية الدوام بساعتين. و12 في المائة يغادرون قبل نهاية الدوام بثلاث ساعات. والنسب تكبر وتتعاظم وقد تتضاعف في شهر رمضان الذي يشهد قلة إنتاجية نتيجة السهر ليلا بشكل مبالغ فيه، رغم خفض ساعات العمل خمس ساعات يوميا. «عكاظ» فتحت ملف التسيب الوظيفي والإهمال وضعف الإنتاجية في رمضان وعلاقته بالعادات الاجتماعية، وإمكانية الحد من الظاهرة التي تطل برأسها مع حلول شهر رمضان من كل عام. العادات هي السبب في البداية أقر نائب رئيس اللجنة الوطنية للمحامين سابقا صالح الصقعبي، أن تسيب الموظفين يكاد يكون ظاهرة في رمضان، وعلل ذلك لضعف الجهات الرقابية في المتابعة، مشيرا إلى أن العادات الاجتماعية الرمضانية كالسهر لها دور في تأخر مباشرة الموظفين لمكاتبهم، مطالبا بالتصدي لهذه الظاهرة وذلك بتطبيق العقوبات المنصوص عليها. عقوبة الفصل فيما أوضح المحامي المستشار القانوني أحمد زارع أن أي موظف يتأخر عن دوامه أو يهمل في أداء الواجب، فإنه يتعرض للمساءلة والعقوبة وفق لائحة العقوبات المقررة سواء بلفت النظر أو الخصم ويصل حتى للفصل. ضعف الرقابة وأشار المحامي أحمد زارع إلى ضعف جهود الجهات الرقابية، قائلا: إن «جهودهم غير كافية»، مطالبا الهيئة بمضاعفة جهودها وزيادة العاملين فيها، ومؤكدا على أهمية رقابة الموظفين في الإدارات الحكومية وبالذات في شهر رمضان، واصفا التسيب الوظيفي بأنه يأتي في سياق الفساد الإداري. وبين عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان المستشار العمالي والباحث في القضايا العمالية حامد الجهني أن حقوق الإنسان ترصد تظلم المراجعين من سوء معاملة بعض الموظفين أو تسيبهم وإهمالهم مما يتسبب في ضرر كبير على المراجعين، معتبرا أن هذا التسيب يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان لأن ضرره يمتد لكل المراجعين، وأن حقوق الإنسان حريصة على تحقيق العدالة ومعاقبة المقصرين، مشيرا إلى أن العادات الاجتماعية الخاطئة كالسهر في الليل وعدم ترتيب الوقت تجعل الموظف غير قادر على إنجاز عمله بالشكل الأمثل. تأثير الأعراف ويؤكد من الجانب النفسي والطبي نائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي استشاري الطب النفسي الدكتور محمد شاووش أن الأعراف والتقاليد الاجتماعية هي التي جعلت إنتاجية شهر رمضان ضعيفة لدى الموظفين في الوقت الذي يجب أن يكون رمضان شهرا للنشاط والحيوية، موضحا أن من أساسيات العبادة الإخلاص في العمل والالتزام به. ويفسر شاووش أن ما يحدث هو ناتج عن تحولات اجتماعية حولت الليل إلى السهر والنهار إلى النوم، واعتبر ذلك مضرا بالصحة، وأن الإنسان من الجانب الفسيولوجي يحتاج إلى الراحة والنوم ليلا حتى ينعكس على أدائه الوظيفي إيجابيا، نتيجة إفرازه هرمونا يساعده على التفكير والتركيز والإنتاج والسلوك، فيما يتأثر تفكير وتركيز الإنسان المواصل للسهر وينعكس ذلك على سلوكه في العمل وهو ما يحدث مع الموظفين في شهر رمضان، معتبرا أن ما يحدث من توترات بين الموظفين والمراجعين في رمضان هو نتاج عن السهر وقلة النوم. من جهته طالب أستاذ علم النفس الدكتور أحمد الطويل بتطبيق النظام الآلي لتثبيت حضور وانصراف الموظفين من خلال البصمة الالكترونية، مع ضرورة زيادة الرقابة والتوعية المكثفة من قبل العلماء والفقهاء بأهمية الإخلاص في العمل وتطبيق المعاني العظيمة لشهر رمضان بشكل عملي إرضاء لله وقضاء لحاجات الناس. تثبيت الدوام واقترح أستاذ علم الاجتماع عضو مجلس الشورى الدكتور إبراهيم الجوير إبقاء الدوام على ما هو عليه الآن بأن يبدأ في الثامنة صباحا وينتهي في الواحدة ظهرا، مبينا أن الإهمال في الدوام في شهر رمضان يعد من العادات الاجتماعية السيئة. عقوبات للمخالفين شدد المتحدث الرسمي في وزارة العمل خطاب العنزي على أهمية التزام شركات ومؤسسات القطاع الخاص كافة بعدد ساعات الدوام المحددة من الوزارة، مبينا أن العقوبات التي كانت تفرضها وزارة العمل خلال الأعوام السابقة على الشركات والمؤسسات التي تخالف الأنظمة المتعلقة بعدد ساعات العمل خلال رمضان ستكون موجودة في هذا الموسم. جولات رقابية أوضحت ل«عكاظ» مصادر مطلعة في هيئة الرقابة والتحقيق تكليف عدد من منسوبيها في المركز الرئيسي وكافة فروعها العاملة في مختلف مناطق ومحافظات المملكة بتنفيذ جولات رقابية مفاجئة على الجهات الحكومية والمؤسسات العامة للتأكد من انضباط موظفيها خلال شهر رمضان الحالي، مبينة التركيز أكثر على الجهات المعنية بخدمة المعتمرين والزوار مثل رئاسة شؤون مسجدي الحرمين، وزارة الحج والشؤون الإسلامية، المستشفيات، والمراكز الطبية، وذلك ضمن توجيهات خادم الحرمين الشريفين بضرورة خدمة المتعمرين والزوار في شهر رمضان، وبما يضمن أيضا سير العمل في كافة الجهات الحكومية والخدمية دون تأخير أو إبطاء. وأشارت المصادر إلى أن الجولات الرقابية لا تستثني أحدا، وأن كافة الدوائر الحكومية ستكون تحت أعين المراقبين، للتأكد من تطبيقها الدوام المحدد من قبل الدولة هذا العام والذي يبدأ من العاشرة صباحا وينتهي في الثالثة ظهرا، مع رصد أداء الموظفين المكلفين بالعمل في فترة الإجازات وعيد الأضحى، للتحقق من انتظام المكلفين بالعمل وانتظامهم في الحضور والانصراف وتنفيذهم للمهام التي كلفوا بها، والتأكد من مدى التزام إدارات المتابعة في تلك الدوائر والقيام بدورها الرقابي. وبينت المصادر أنه في حال وجود خلل أو تقصير أو تسيب في تنفيذ الأعمال والمهام فإنه سيتم الرفع للجهات المختصة بهذه الحالات بشكل سريع وفوري وعاجل لاتخاذ الإجراءات النظامية في هذا الشأن بالتنسيق مع جهات العمل، مؤكدة استمرار الجولات الرقابية طوال العام، مع زيادتها في الإجازات للتأكد من تواجد كافة الموظفين المكلفين في أعمالهم، وتوقع المصدر أن تزيد نسبة الجولات الرقابية هذا العام أكثر من العام الماضي.