في الخامسة عشرة من عمري جلست في مجلس شيخ ذي وجاهة اجتماعية ومكانة ثقافية، وعندما قدمت لي القهوة امتنعت بحجة صيامي لقضاء يوم من أيام رمضان، فأمطرني الحضور بوابل من الثناء والمديح جعل عنقي يمتد ليعانق السحاب، لكنه سرعان ما انكمش عندما علق الشيخ بأن قضاء الصيام واجب لا يستحق الإفراط في الثناء شأنه شأن الصلاة التي هي واجب لا يستحق المصلي الشكر عليها، ورغم أن أحد الحضور ذكر الشيخ بأن التشجيع حسن والتحفيز طيب خاصة في زمن اتسع فيه نطاق الإلهاء، إلا أن تعليق الشيخ بقي عالقا في ذهني حتى اليوم !! وكان حاضرا أمس عندما أشار الزميل محمد الأحيدب في مقاله إلى أن شعورا مؤلما انتابه بأن النزاهة باتت سلوكا نادرا غريبا يستحق المكافأة بعد أن أعلن رئيس هيئة مكافحة الفساد محمد الشريف أن الهيئة ستكافئ الأشخاص الذين يبدون نزاهة في أعمالهم ماديا ومعنويا !! نعم هو شعور مؤلم أن تصبح النزاهة عملة نادرة في مجتمعنا تستحق المكافأة لأن ذلك يعني أن مساحة الأمانة تنحسر أمام مساحة الفساد، وهذا ما يتطلب منا أن نتصدى له كما يتصدى رجال الإطفاء لحرائق الغابات قبل أن تمتد النيران لتمحوها وتتركها أثرا متفحما يثير الكآبة بعد خضرة مزهرة تثير البهجة !! نعم لنشجع النزاهة ونعين النزيهين على الثبات في مواجهة الرياح العاصفة التي تخيرهم بين الانحناء أو الاقتلاع، لكن في المقابل لنبطش بالفاسدين ولنخمد نيرانهم ونصد رياحهم، فلا فائدة من مكافأة النزاهة دون معاقبة الفساد !! [email protected] للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 153 مسافة ثم الرسالة