270 ريالا فقط هي ما تدفعه للحصول على بذلة عسكرية لأحد القطاعات الأمنية دون أن تثبت انتماءك لها، تلك الريالات تدفع لعمالة آسيوية تدير محلات تفصيل وخياطة البدل العسكرية وبيع المستلزمات الخاصة بالقطاعات الأمنية والمنتشرة في جميع مدن ومحافظات المملكة، وهذه المحلات تفتقد الرقابة والمتابعة من قبل جهات الاختصاص، وأصبحت تعيش في وضع يهدد أمن الوطن ويسهل لإعدائه من أصحاب العقول المريضة والقلوب الضعيفة استغلالها. «عكاظ» الشباب نفذت جولة خاصة على عدد من محال تفصيل البدل العسكرية في المدينةالمنورة، رصدت من خلالها مخالفات خطيرة تستدعي التحرك السريع من الجهات ذات العلاقة، لضبط العمل فيها ومتابعة أوضاع العاملين ومحاولة تعيين مديرين سعوديين لإحكام أوضاعها، ووضع قوانين لتنفيذها منعا للتجاوزات التي تحدث فيها. بدأت جولتي في أول تلك المحلات، كان بداخلها وافدون من جنسية آسيوية أحدهما يستقبل الزبائن فيما يتولى الآخر الخياطة، فتمعنت طويلا في المحل ولم أجد أية لافته تبين الشروط والتعليمات سوى فواتير متناثرة للزبائن، ربما كان بعضهم ممن ليست لهم أية علاقة بالسلك العسكري، وجهت إلى أحدهم سؤالا عن الأقمشة الموجودة لديهم، فأشار إلى مجموعة من الأقمشة المعروضة بالمحل لعدد من القطاعات العسكرية، سألني عن جهة عملي والتي حددتها بقطاع الحرس الوطني. ودون أن ينظر، أشار العامل بيده إلى قماش مموه، عندها طلبت منه القماش الخاص بالأمن العام، فدخل معي في نقاش دون أن يكون هناك استغراب من سؤالي أو تغييري لنوعية القماش، عندها عرجت معه إلى نوعيات الأقمشة وبلدان تصديرها، وكيفية شرائها وأماكن بيعها، ليرد علي بكل ثقة، عندها حاولت استنطاقه عن المشاكل التي تواجههم في المحل فلم يجد إشكالية يتحدث عنها سوى ارتفاع إيجار المحل، كما سألته عن المدة التي يمكن لي أن أستلم بدلتي فيها، فأجابني «بعد أربعة أيام يمكنني إنجاز البذلة لك»، وطيلة فترة حواري معه لم يتطرق من قريب أو بعيد لطلب إثبات أو خطاب يثبت عملي وانتسابي لهذا العمل!. نفس الأوضاع التي لاحظتها في المحل الأول تكررت في موقع آخر، كان هو محطتنا الثانية، ويعمل فيه أيضا وافدون من جنسية آسيوية كسابقه، وجدت أحدهم يعمل على قياس قماش يعود لقوات الطوارئ، سألته عن نوع القماش الذي بيده ولأي قطاع ليفيدني أنه قماش عماني، ويرتديه منسوبو قوات الطوارئ وأنهم يجلبونه من الرياض، كما سألته عن قماش آخر معروض مع مجموعة أقمشة بالمحل وعن من يرتدونه من القطاعات العسكرية فبين لي أنه للأمن العام وذهب يشرح لي عن بقية الأنواع. عدت بعد ذلك وطلبت تفصيل بذلة من قماش قوات الطوارئ الذي كان يجهز فيه لزبون آخر، سألته عن سعر التفصيل فقال لي إنه يفصله ب 270 ريالا، وافقت، وعليه تناول شريط القياسات وراح يأخذ قياساتي المطلوبة للبذلة، فيما كان زميلي المصور يلتقط الصور أثناء قياسه لطولي وعرضي، وعندما انتهى سألني عن الرتبة، وخطر في بالي لحظتها رتبة عريف، ولو أنني طلبت رتبة أعلى لم يكن ليمانع. بعد فراغه من القياسات وتسجيلها، انتظرت أن يسألني عن الأثبات العسكري أو خطاب من جهة عملي، لكنه اكتفى بطلب العربون، فسألته عن موعد التسليم، قال «بعد خمسة أيام فقط»، عندها دفعت له مبلغ العربون وتسلمت السند وانصرفت. وبعد أيام خمسة توجهت لاستلام البذلة والتي كانت جاهزة، استلمتها وخرجت بينما كانت عدسة «عكاظ الشباب» تسجل كل التفاصيل، وما أن خرجت من المحل حتى صرخ العامل يناديني، التفت إليه و ظننت أنه سيسألني عن خطاب العمل ليوثقه في سجل خاص بالمحل، وكانت المفاجأة هي أنه نسي تسليمي (البريهه) وهي القبعة العسكرية الخاصة بالبذلة. عدت وأنا مندهش من أنني فصلت بذلة عسكرية بمنتهى البساطة دون إثبات أو سؤال، وثارت تساؤلات كثيرة في نفسي عمن يمكن أن يستغل هذه الثغرة الخطيرة، اتصلت بعضو اللجنة الأمنية في مجلس الشورى الدكتور نواف بن بداح الفغم، سألته عن هذا الموضوع، أجاب «إن تولي العمالة الوافدة لمحلات تفصيل وبيع البدل العسكرية ومستلزماتها أمر خطير جدا يجب الإلتفات له، خصوصا وأن البذلات من المسلمات العسكرية التي يجب المحافظة عليها وعدم التهاون بها أو صرفها لغير المخول والمصرح له بارتدائها، فالبدل العسكرية لها حقوق وعليها واجبات، فهي تعطي مرتديها مزايا وصلاحيات لايجدها بعد تنزيلها واستبدالها بالثوب، فمرتدي هذا اللباس يمثل الدولة فلابد من متابعة من يبيعها ومن يفصلها ومعرفة مصدرها»، وأضاف: هناك تعليمات من قبل جهات الاختصاص تشدد على أن الشخص سواء أعلى رتبة أو أصغر رتبة لايستطيع تفصيل بذلة أو شراء رتبة إلا بعد إحضار خطاب من جهة عمله، ولكن ربما حدث هناك تهاون من تلك المحلات فهنا يجب إعادة النظر في عملية تفصيل البدل العسكرية، ووضع ضوابط جديدة، كما أن من الأنسب تسليم مهمات هذه الأعمال إلى شركات متخصصة تقوم بتولي تفصيل البدل العسكرية لضبط هذا العمل، لاسيما بعد حدوث حالات انتحال للشخصيات العسكرية من قبل ضعاف النفوس وحالات الابتزاز التي نسمع بها.