إذا كان لبس البذلة العسكرية مؤشرا على وجود الشرطة وبسط الأمن، فإنها من جهة أخرى تسهّل مهمة المحتالين في النصب على زبائنهم والوصول إلى أهدافهم في التغرير بالضحايا.. ويزداد الأمر خطورة إذا اقترن بجهاز لاسلكي يحمله المحتال؛ لتمرير الخدعة على الضحية. وقد يكفي الجهاز اللاسلكي في بعض الحالات، بخاصة إذا اقترن بذكر أسماء جهات كمكافحة المخدرات أو المباحث أو البحث الجنائي. البداية بذلة ولم تكن المحال الثلاثة لتفصيل الملابس العسكرية التي أغلقتها أمانة جدة في بداية هذا العام، أو العشرة محال المخالفة التي تم ضبطتها خلال الربع الأول من العام الجاري، تثير المخاوف من تحول تلك المحال إلى داعم ولو من حيث تعلم أو لا تعلم لعمليات النصب والاحتيال والانتحال، أو أن تتحول تلك البذلة التي يفترض أنها رمز لأمن الوطن والمواطن، إلى بذلة مقلقة للأمن ومقضة لمضاجع المواطنين والمقيمين. لم يكن الهدف من تقمص الشخصية الأمنية تحدي الجهات المختصة، التي نفت إمكان الوصول إلى البذلة الرسمية من بوابة التفصيل، عطفا على تواصل حملات المراقبة، لكن الأمر كان تحديا في السكوت على الباطل الذي يتمثل في ضعاف النفوس الذين يبيعون كل شيء بمقابل؛ لأن المصلحة الشخصية لديهم هي الأول والآخر. ويبدو أن المخالفات التي ضبطتها الأمانة في محال تفصيل الملابس العسكرية خلال الشهور الماضية، كانت الدافع الأساسي لمعرفة نوعية المخالفات التي تقود إلى حد إغلاق المحل. كشف المستور البداية كانت للمحال في شرق الخط السريع بجدة.. حاولنا تمرير معلومة فقدان البطاقة العسكرية على العاملين في المحال، لقياس مستوى الالتزام بالتعليمات التي تهدف إلى أمن الوطن، وفيما كان رفض التفصيل إلا بإثبات البطاقة العسكرية العنوان الأبرز، حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من الجزم بانعدام المخالفات في هذا القطاع، إلا أن مواصلة الجولة فضحت المستور. دخلنا على أحد المحال، وسردنا الرواية نفسها: « بطاقتي العسكرية مفقودة، وأريد تفصيل بذلة عسكرية » ، فجاء الرد غير المأمول من تلك المحال، والمتوقع من قبلنا « لا بأس.. ما في مشكلة، حدد الرتبة والنوع والقماش، ولكل شيء ثمن » . 170 ريالا لم نمعن التفكير في العرض المغري الذي قدمه لنا العامل، فاختصرنا المسافة؛ خوفا من أن يستعيد كلماته، حددنا المواصفات، وسألناه عن الأسعار، ليأتينا الرد» 170 ريالا «، لتتم الموافقة شبه الفورية، ثم البدء في أخذ المقاسات، والحصول على فاتورة السداد وموعد الاستلام. خرجنا من المحل، ولسان حالنا يردد: « هل يا ترى كان شكلنا يوحي بإتقان تقمص الشخصية، أم أن العامل لا يهمه الوقوع في المخالفة، بل الحصول على المقابل؟ » . وفي اليوم الموعود راجعنا المحل لنجد الملابس جاهزة، بذلة مكتملة خاصة بالدوريات الأمنية، تحمل رتبة عريف. بالشمع الأحمر استعدنا الاتصال الأول الذي جرى مع العقيد فهد عبدالهادي قائد وحدة اللجان والرقابة الميدانية في شرطة جدة، حيث شدد على أن « اللجنة الدائمة المشكلة من المحافظة والأمانة والشرطة تواصل جولاتها التفتيشية على محال تفصيل الملابس العسكرية، بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا؛ للتأكد من وجود سجلات مفصلة بأرقام عسكرية». وأكد أنه «حتى الآن لم تكتشف أي حالة انتحال نفذت عملية تفصيل ملابس أمنية عند أي من هذه المحال » ، مشيرا إلى أن حالات الانتحال لا تكتشف إلا عن طريق جناية يرتكبها المنتحلون. وشدد عبدالهادي على أن الإغلاق بالشمع الأحمر عقوبة المحال المخالفة، مبينا أن ترخيص هذه المحال يتم عن طريق الأمانة والأمن العام. في جانب آخر أوضح العقيد مسفر الجعيد المتحدث الإعلامي بشرطة جدة، أن السرقات التي نفذت من قبل منتحلين لشخصية رجال أمن، لم تكن بالزي الرسمي، بل غالبيتها بالثياب العادية، « حيث اكتفى المحتالون بحمل أجهزة شبيهة باللاسلكي؛ لخداع الضحايا » .