عصامي .. غني عن التعريف .. بدأ حياته من الصفر وأصبح «شهبندر» التجار، وقامة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، ومعروف عنه سعيه الدائم لفتح الدروب المثمرة والمنتجة أمام الشباب من خلال التدريب والتأهيل، لم يكتف بالركض خلف الربح المادي وتوسيع استثماراته، بل كان له السبق في إطلاق المشاريع غير الربحية ويسعى دائما خلف كل ما فيه فائدة للمجتمع والبلاد عموما، وإحياء وقف للغرفة التجارية للأعمال الصناعية والأسر المنتجة دليل على حرصه بأهمية دور رجال الأعمال في النهوض بالمجتمع على كافة الأصعدة. تحدث الشيخ صالح كامل، بإسهاب عن وقف الغرفة التجارية الصناعية في جدة للأعمال الصغيرة والأسر المنتجة، وأهمية الوقف في حياة الفرد المسلم باعتباره من أعظم القرب التي ينال بها الإنسان مرضاة الله، ومراحل إطلاق صندوق وقف الغرفة التجارية الصناعية في جدة للأعمال الصغيرة والأسر المنتجة برأس مال 100 مليون ريال وطبيعة الدعم المقدم للأسر المنتجة والمستفيدين، فإلى تفاصيل الحوار: ? ما معنى الوقف في اللغة؟ - الوقف في اللغة معناه المنع من الحركة ومن التنقل والتداول وهو قريب جدا من الحبس، وقد اهتم به الإنسان المسلم منذ أن بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم فقد أوقفوا الكثير من أموالهم لخدمة عقيدتهم الإسلامية ومد يد العون للآخرين، وهو من أعظم القرب التي ينال بها الإنسان مرضاة الله عز وجل وفيه خير وأجر كبير للواقف، وقد نشأ عن الوقف في حضارتنا الإسلامية الكثير من المستشفيات والجامعات وغيرها، وقد تنبه الغرب لهذا الأمر حتى أصبحنا نرى جامعات ومعاهد ومستشفيات وغيرها من الاجتماعيات قامت على الأوقاف. فكرة الوقف ? منذ متى تراود فكرة الوقف الشيخ صالح؟ - الفكرة ليست بالجديدة وكانت تراودني منذ زمن، وذلك لإحساسي بأهمية الوقف في ديننا الإسلامي، وهذا الشعور سببه رؤيتي في القرنين الماضيين أن الوقف تجمد وتراجع الاهتمام بهذا الركن، وهذا الأمر في اعتقادي ناتج عن التدخل المزعج لبعض الحكومات في الدول الإسلامية في شؤون الوقف، وانعكس ذلك في عزوف الكثيرين عن الوقف، رغم أنه يعتبر من الصدقات، لقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون». تدخل الحكومات ? هل أثر تدخل الحكومات الذي وصفته بالمزعج في شؤون الأوقاف؟ - بالتأكيد، وإذا لم تتحرر المشاريع الوقفية من هذا الإشراف المزعج لا يمكن أن نحيي السنة النبوية في أمور الوقف وعلينا أن نشجع الغرف التجارية ونطلق يديها في تولي شؤون الأوقاف على الأقل في الوقت الراهن. صناديق الأوقاف ? وكيف ترجمتم هذه الرغبة إلى واقع ملموس؟ - إحياء شعيرة الوقف في العالم الإسلامي وإعادة المجد إليه ظل يلازمني أينما حللت، وبعد أن عزمت الأمر واستوفيت كل الدراسات المطلوبة في هذا الخصوص، وبعد التشاور مع زملاء آخرين عرضنا الأمر على وزير الأوقاف الذي اقتنع بالفكرة وشجعها وطلب أن يبدأ تطبيق الفكرة بصناديق للأوقاف، حتى يتبلور نظام هيئة الأوقاف الأهلية، وبموجب هذا التشجيع انطلقنا في غرف المملكة، ومنها الغرفة التجارية الصناعية في جدة التي شهدت وبحضور أمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ومحافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد وأمين محافظة جدة الدكتور هاني أبو راس توقيع مذكرة توثيق لوقف الغرفة للأعمال الصغيرة والأسر المنتجة. ? ماذا دار بينكم وبين وزير الأوقاف من أحاديث في هذا الخصوص؟ - سأل واستفسر عن دور الغرف التجارية وعن إدارة الوقف والكيفية التي تشجع الناس على الإقبال على هذه الصدقة وكان متحمسا جدا لهذا الأمر. 65 مليونا في 3 أيام ? وماذا بعد؟ - أعلنا عن إطلاق صندوق وقف الغرفة التجارية الصناعية في جدة للأعمال الصغيرة والأسر المنتجة برأس مال 100 مليون ريال، وبفضل من الله عز وجل استطعنا في ثلاثة أيام فقط جمع 65 مليون ريال، خصوصا أننا بينا للواقف أن من حقه إدارة الوقف وأن الغرفة التجارية ستسهم معهم في هذا الدور. ? وهل رأس المال المحدد ب100 مليون ريال هو رقم لا يمكن تجاوزه؟ - أبدا، هذا المبلغ مرحلة أولى، فالأعمال الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة تحتاج إلى ملايين الريالات لتنفيذ أعمالها. ? وماذا عن بقية رأس المال لماذا لم يكتمل؟ - انشغالنا في بعض المناسبات جعلنا نتأخر في جمع ما تبقى من رأس المال رغم ما لمسناه من رغبة لدى الكثيرين للمساهمة، ونحن سائرون في جمعه وأعتبر هذا قصورا من جانبنا سنتلافاه مستقبلا. الغرف التجارية ? لماذا الغرف التجارية بالذات في الأوقاف؟ - لأنها تملك الخبرة وتعد الأفضل بين الجهات الأخرى المرخص لها في هذا المجال. ? الأحسن من الجهات الأخرى.. من هم؟ - أقصد القضاة، هم خبراء وعلماء في الشريعة الإسلامية، ونحن معشر التجار خبراء في الاستثمار والاقتصاد ولدينا الخبرة، وأرى أن الغرف التجارية هي الجهة الأنسب لمعرفتها باحتياجات السوق وفي نفس الوقت خلق فرص العمل وإكساب الآخرين الخبرة في مجال الاستثمار. الأسر المنتجة ? وما الهدف من إنشاء هذا الصندوق؟ - الهدف الرئيس من إنشاء صندوق الوقف هو تقديم دعم للمنشآت الصغيرة والأسر المنتجة في مكةالمكرمة وفي جدة، وهو نابع من المسؤولية الاجتماعية التي أوجبها الإسلام في قوله تعالى: «الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون» والنفقة هنا هي الصدقة والزكاة التي أوجبها الإسلام وجعلها لأهميتها الركن الثالث، وأمرنا سبحانه وتعالى أن ننفق لقوله تعالى: «وأنفقوا في سبيلِ الله»، والإنفاق هنا بالصدقة سواء كانت جارية كالوقف أو وفي وقتها، ورغم أجرها وإطفائها لغضب الله كما أخبرنا بذلك سيدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام نجد أن المستفيد منها أولا الغني في توزيع سلعته وقبل ذلك حصوله على الأجر والثواب. الأصول مستقبلا ? هل يتم الانضمام لهذه الصناديق الوقفية من خلال أموال ثابتة أم أموال وأصول؟ - في المرحلة المقبلة سنقبل الأصول، أما في الوقت الراهن فنقبل النقدي. ? هل صادفتكم أية عقبات في هذا الخصوص؟ - على العكس، فمنذ اللحظة التي اجتمعت فيها مع وزير الأوقاف والأمور تسير على ما يرام وذلك بفضل الله أولا وأخيرا لأنه يعلم هدفنا وسعينا، وأنا أعتقد بل أجزم أنه متى أتيحت الفرص أكثر للغرف التجارية سيكون لدينا الكثير من الأوقاف بعشرات المليارات وجميعها ستوجه للتنمية. الجمعيات الخيرية ? هل هناك جهات أو قنوات أخرى مرشحة لتنفيذ مثل هذه الخطوات ما عدا الغرف التجارية؟ - في الوقت الحالي لا أعتقد ذلك، لكن من الممكن أن تقوم الجمعيات الخيرية بهذا الدور في المستقبل. ? ما طبيعة الدعم المقدم للأسر المنتجة والمستفيدين هل هو دعم مقطوع لا يسترد .. أم على هيئة قروض ميسرة؟ - الدعم الذي ستتلقاه الأسر والمستفيدون من صندوق الوقف سيعود ريعه إلى الصندوق نفسه، ونحن في الغرفة نأخذ العائد ونصرفه على أوجه الوقف لكن الاستثمار مهمة الواقفين للوقف. الصدقة والزكاة * ألا يتعارض مسار الوقف الخيري مع الزكاة؟ - الوقف الخيري هو صدقة جارية تنفع بها نفسك دنيا وآخرة، أما الزكاة فهي الركن الثالث من أركان الإسلام إذا لم يؤدها المسلم لا يكتمل إسلامه. توزيع الزكوات ? أوجه توزيع الزكوات كيف ترونها؟ - المملكة من الدول القلائل التي تولي موضوع الزكاة اهتماما خاصا، ولا نبالغ إن قلنا أنها الدولة الوحيدة تقريبا التي لم تتخل عن الاهتمام بالزكاة، ومع ذلك أرى ضرورة إدخال بعض الإصلاحات، ولأنني لمست أهمية ذلك كتبت إلى ولاة الأمر بعض الاقتراحات ربما يرون أهمية تطبيقها. ? مثل ماذا؟ - لنأخذ الضمان الاجتماعي مثالا عما نتحدث فيه الآن، فالجميع يعلم أنه يخدم سهما واحدا من الأسهم الثمانية وهم الفقراء، والآية الكريمة في قوله تعالى نصت على: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله، والله عليم حكيم»، وقد لمست وغيري أن بقية الأسهم ومنهم المساكين معطلة، رغم الخطوات التي بدأ بها حاليا الضمان الاجتماعي في صرف القليل منها، وأنا وكثيرون غيري نسعى إلى أن يستفيد الثمانية فروع المذكورون في سورة التوبة من الزكاة. رجال الأعمال ? هل تقصدون زكاة رجال الأعمال؟ - ليس رجال الأعمال فقط، وإنما المجتمع بأكمله، فالمملكة ومواطنوها اشتهروا بحرصهم على الإنفاق في الأعمال الخيرية والسعي وراءها والتنافس فيها، ورغم أن الدولة الرشيدة حريصة على هذا الجانب، وللقطاع الخاص دور كبير في هذا الخصوص. عتاب الأحبة ? يضم صندوق الوقف أسماء كبيرة ومعروفة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فهل المساهمة في الوقت الراهن محصورة على هذه الأسماء من خلال الدعم الأول أم أنها ستتكرر، وما آلية الدعم المعتمدة؟ - الباب مفتوح للجميع، وأؤكد أننا في الأيام الماضية تلقينا الكثير من طلبات الانضمام إلى الصندوق، وأيضا العديد من عتاب الأحبة والأصدقاء، وأبلغنا الجميع أن الباب مفتوح لمن يرغب في الانضمام والمساهمة في صندوق وقف غرفة جدة للأعمال الصغيرة والأسر المنتجة، أو حتى في الصناديق الوقفية الأخرى المتعددة الأغراض التي ننوي إنشاءها مستقبلا. مساهمة الصندوق ? وماذا عن الإنسان العادي من ذوي الدخل المحدود؟ - في ظل حاجة المجتمع لمجالات كثيرة، بإمكان أي فرد المساهمة بأي مبلغ حتى لو كان 100ريال، فعمل الخير لا يتوقف عند غني أو فقير أو متوسط، وهذا يعني أن بإمكان أصحاب ذوي الدخل المحدود أن يعملوا لأنفسهم صدقة جارية في ظل حاجة المجتمع لتغطية الجوانب الإنسانية أولا والجوانب التنموية ثانيا، وهذا يعود حسب الأولية ووفق الخطط الموضوعة، وأؤكد أن طموحنا في هذا المجال يستهدف أيضا مشاركة طلاب المدارس لإحياء الوقف بصدقة جارية، وهذا يأتي من توجيه رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه في تبيين أوجه الخير وكما قال لنا «الدال على الخير كفاعله». الخير في المناطق ? وهل التركيز فقط على منطقة مكةالمكرمة في إنشاء هذه الصناديق الخيرية الوقفية؟ - كلا .. الخير والأجر لا يتوقفان عند زمان أو مكان أو شخص، وتبنيت فكرة إنشاء صندوق الوقف الزراعي في حائل للأبحاث الزراعية وقد تبرعت بمليوني ريال دعما لهذا الصندوق، وسعينا أيضا لتأسيس صندوق وقف لدعم الحرفيات في القصيم برأس مال 50 مليون ريال، وتبرعنا فيه بمبلغ خمسة ملايين ريال، وهذا الصندوق تشرف عليه جمعية حرفة التعاونية النسائية في بريدة، ومستقبلا سنطرح صندوق وقف للصم «ذوي الاحتياجات الخاصة». أول عقد في الإسلام ? ما السبب في تبنيكم للأعمال الصغيرة؟ - الهدف من ذلك هو خلق فرص عمل، وهذا المصطلح الذي يجب أن يشاع بدلا من كلمة توظيف، وأنا أرى إن كان لدى الإنسان فرصة ليصبح رب عمل لماذا يعمل لدى الآخرين كموظف، وهذا يقودنا إلى بداية أول عقد ظهر في الإسلام عندما تولى الصديق أبو بكر الخلافة، وأثناء توجهه إلى السوق للعمل استوقفه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضوان الله عليهما ومنعه من الذهاب، ويومها اجتمع سيدنا عمر والصحابة وقرروا لسيدنا أبي بكر ربع شاة دون أن يذهب إلى السوق للعمل، ثم ما لبت أن اشتكى الخليفة أبو بكر الصديق من أن ما يحصل عليه كراتب للخلافة لا يسد حاجته وحاجة أسرته وزادوه الربع وأصبحت نصف شاة. تنمية الأعمال ? وما المشاريع الأخرى التي تصب في تنمية المجتمع؟ - كما أشرت سعينا للخير لا يتوقف عند صندوق أو مشروع، ففي غرفة جدة مثلا أنشأنا مركزا لتنمية الأعمال ومتابعة المشاريع المتعثرة أو تحويل الصغيرة إلى مشاريع كبيرة، وخلق فرص عمل وتبني قيام شركات جديدة، وحاليا لدينا أكثر من 100 طالب نتكفل بتعليمهم، فنحن نهتم بتنمية السوق الأولية، وليس بسوق الأسهم التي اعتبرها سوقا طفيلية لا تضيف وظيفة واحدة. ? ما دور مركز تنمية الأعمال في التنمية المجتمعية؟ - مركز تنمية الأعمال يساعد كل من لديه رأس مال وغير قادر على تشغيله، وحاليا نسعى إلى أن تطبيق فكرة تزكية الوقت لدى رجال الأعمال في الغرفة التجارية، والفكرة أساسها تبني رجال الأعمال لاثنين أو ثلاثة من الشباب والجلوس معهم مرة واحد في الأسبوع والاطلاع على مشاريعهم ونصحهم وإرشادهم، خصوصا أن الشباب يحتاجون إلى التعليم والتدريب في مجال الاقتصاد، وخاصة في مجال تنفيذ دراسات الجدوى للمشاريع، بدلا من منحهم مبالغ مالية ونطلب منه الاستثمار وقد يكون مصيره الخسارة.